تحقيقات من كتب وأخبار الامام المازري وخاصة شرح التلقين: ــ الحلقة السادسه ـــ

 



طرف من إعمال الامام المازري لأصول الفقه مما لم أر من تناوله من أصحاب الدراسات المختصة بأصول الفقه عند هذا العلم وقد تقدم في الحلقة الثانية من هذه الحلقات قبس من دقة الامام المازري في إيراد القواعد الاصولية بعد الحكم عليها وفي ملاحظة خروج بعض الفروع في للمشهور فيها عن أصول المذهب المالكي
ولحضور أصول الفقه في كتب هذا العلم وخاصة شرح التلقين لزم الرجوع إلى هذا الموضوع
فقد خبر المازري فيما يبدو أصول الفقه وفي واقعه العملي والذي يقرأ كتب هذا الامام يرى هذه الأصول كالمركوز في فكره ونتكلم في هذه الحلقة على بعض أمثلة العموم والتخصيص في شرح التلقين
"
عموم العام في سائر الأحوال والازمنة والامكنة والمتعلقات
ينسب الخلاف في هذه القاعدة إلى القرافي وفي ذلك يقول العلامه سيدي عبد الله في مراقي السعود:
"إطلاقه في تلك للقرافي== وعمم التقي إذا ينافي ..."
وقد فهم الامام ابن عاشور من كلام ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين ابن دقيق العيد،م،س، . ج1، ص54. ""أولع بعض أهل العصر وما يقرب منه بأن قالوا: صيغة العموم إذا وردت على الذوات ـ مثلاـ، أو على الأفعال:كانت عامة فى ذلك، مطلقة فى الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات.ثم يقولون: المطلق يكفي فى العمل به صورة واحدة، فلا يكون حجة فيما عداه. وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يحصى كثرة من ألفاظ الكتاب والسنة، وصار ذلك ديدنا لهم فى الجدال. وهذا عندنا باطل؛ بل الواجب: أن ما دل على العموم فى الذوات ـ مثلا ـ يكون دالا على ثبوت الحكم فى كل ذات تناولها اللفظ، ولا يخرج عنها ذات إلا بدليل يخصه، فمن أخرج شيئا من تلك الذوات فقد خالف مقتضى العموم"أن الخلاف في هذه القاعده من "مخترعات القرافي وقد كنت تطفلت على هذا المبحث بالنقاش في كتاب "الاختلافات الاصوليه النقليه وأثره في الفروع عند المالكيه" في الكلام على هذه القاعدة وجلبت لها بعض كلام المالكية والتطبيقات العزيزة لهذا الاختلاف ممما وقفت كتبهم فليراجع هناك ولن أطيل به هنا
ومن كلام غير المالكية فيها هناك نقول وتحقيق للامام الحافظ شمس الدين بن عبدالدائم نقتبس منها هنا جملا نوردها هنا تمهيدا للكلام على هذا البحث الشائك لعلها تنير للقارئ السبيل فيما نحن من التعريج على بعض الأصول من خلال شرح التلقين ،إذ يرى االبرماوي تعارض كلام ابن دقيق العيد المتقدم ذكره فيها في كتابيه الالمام والاحكام فليراجع ذلك في الفوائد السنيه في شرح الالفيه ج:3/ ص:1293 ــ 1294. يقرر البرماوي في سياق كلامه عن هذا المبحث طريقتان الاولى ينقل فيها عن ابن السمعاني والرازي أن العام عام في الأحوال والازمنة والبقاع والمتعلقات ويقول الحافظ عن الطريقة الثانيه التي يرى أهلها أن العام ليس عاما في الاربعه المتقدمة :"وإليها جنح كثير من المتأخرين كالآمدي والاصفهاني وغيرهم " راجع الفوائد السنيه ج:3/ 1294. ثم خلص البرماوي ناقلا تقي الدين بن السبكي وابنه والقاضي عبد الوهاب إلى ما رأه التحقيق من أن العموم في هذه الأربعة المتقدمة عرض "بطريق الاستلزام لا بالوضع وهو معنى "من لا زم الأشخاص أي من لازم تعميمه للأشخاص عمومه في الأحوال والازمنة والبقاع "الفوائد السنيه م،س،ج:3/ ص:1294.
وفي معنى كلام البرماوي هذا يقول ابن السبكي في سياق كلامه عن عموم آية (واقتلوا المشركين)(ظهر لي ...أن العموم إنما جاء في هذه الآية من صيغة إذا فإنها ظرف والامر معلق بها وهي شرط أيضا والمعلق على شرط يقتضي التكرار والظرف يشمل جميع الاوقات ويلزمها الاحوال...) الابهاج تحقيق الدكتور محمد شعبان محمد إسماعيل ط مكتبة الكليات الازهريه 1981 م. ج:٢/ ٨٥
ويبدو أن المازري أيضا كان تكلم على هذه القاعدة قبل القرافي والبرماوي وابن السبكي في شرح التلقين وجلب للاختلاف فيها هذا التطبيق فقال في سياق كلامه عن الضمان :" قد قدمنا أن الحمالة بالمال لا تبرىء ذمة المتحمَّل عنه، بل يصير الدين متوجها في ذمتين: في ذمة الغريم وذمة الحميل. وذكرنا فيما سلف أن من الناس من ذهب إلى أن الحمالة بالمال تبرىء ذمة المتحمّل عنه وذلك كالحوالة: فإن حقيقة الحوالة أن يكون الدين في ذمة واحدة ثم ينتقل إلى ذمة المحال عليه وتبرأ الذمة الأولى وهي ذمة الغريم الذي عليه الدين. وذكرنا سبب الخلاف في هذه المسألة وأن جمهور العلماء على أن الحمالة لا تبرىء ذمة المتحمَّل عنه. ولكن اختلف هؤلاء في تمكين من له الدين من طلب الحميل بما تحمل به من ــ كتب محقق شرح التلقين الشيخ محمد المختار السلامي هنا مصوبا ـــ هكذا في النسختين ولعل الصواب مع ـــ تمكنه من أخذ دينه من ذمة غريمه الذي عامله بأصل الدين، في الأكثر على أن من له الدين مخيّر بين أن يطالب بدينه الغريم أو الحميل، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وبه قال مالك في أحد قوليه. وله قول آخر أنه لا يمكن من له الدين من طلب الحميل مع إمكان أخذ دينه من غريمه.
والروايتان عنه مشهورتان في المدونة وغيرها.
واتفق الجميع على أن من له الدين إذا حيل بينه وبين أخذ حقه من الغريم لفقر حدث بالغريم، أو تغيب، أو لدد، أو امتناع لا يقدر معه على الانتصاف
منه، فإن له أخذ الدين من الحميل.
وسبب الخلاف في تمكين من له الدين بطلب الحميل مع تمكنه من أخذه من الغريم قوله عليه السلام "والزعيم غارم" يعم سائر الأحوال: حالة كون الغريم حاضرًا موسرا يتُمكن طلبُه بالدين، وبين كونه ممتنعا من أدائه. وهذا كالعموم في المعنى، وفيه اختلاف بين الأصوليين. فاقتضى هذا العموم تمكين من له الدين من طلب الحميل على أيّ حال كان الغريم. وكأن من ذهب إلى رفع التخيير بين طلب الحميل والغريم إذا أمكن أخذ الدين من كل واحد منهما رأى أن قوله في هذا الحديث "والزعيم غارم" فيه إشارة إلى أنه إنما يغرم ما قد صار في حيز التلف لكون الغريم فقيرًا أو ممتنعا فيصير الحميل غارمًا لما هو في حكم التالف. وكأن هؤلاء رأوا أن لفظة الغرامة تشعر يكون ما يؤدى عوضا عن ما هو في حكم الفائت التالف، وإنما يقال غرم زيد قيمة ثوب استهلكه، ولا يقال إذا اشتراه وأدى ثمنه غرم زيد ثمنه هذا المألوف في الاستعمال.
وهذا يقتضي ألا يتوجه على الحميل. مطالبة إلا عند فوت أخذ الحق من الغريم."شرح التلقين ج:7 /ص:176 ــــ 175
ولعل هذا المثال لهذه القاعدة الذي لم أره عند من تكلموا على أصول الفقه عند المازري من خلال شرح التلقين وغيره ـــ إن سلم من أوائل تطبيقاتها عند المالكية حسب المعلومات المتوفره الآن، والعلم عند ربنا الوهاب المنان.
وقد اكتفينت في هذا المبحث بهذا القدر واقتصرت فيه على ما لم أجلب في بحثي الاختلافات الاصوليه النقليه وأثرها في الفروع عند المالكيه، للفت انتباه أجاويد طلبة العلم لتحقيقه وبعث الهمة فيهم أو لما يعرف بفتح الشهيه.
ومن المباحث المشتركة بين الأصول واللغة أيضا مبحث الاستثناء من غير الجنس يعتبر مخصصا.
تعريف الاستثناء من غير الجنس:
عرفه ابن العربي بقوله "أن يأتي الاستثناء على معنى ما تقدم من اللفظ، لا على نفس اللفظ" أحكام القرآن تحقيق رضى فرج الهمامي الطبعة الأولى: 1424هــ . ـــ 2003 م . المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.القسم:1، ص: 486.
ومن تطبيقا قاعدة الاستثناء من غير الجنس الرد بالغبن وهل يرد البيع إذا وقع فيه غبن أم لا؟وفي ذلك يقول المازري مشيرا إلى الغبن " والخلاف في ثبوت الخيار بذلك مشهور في المذهب عندنا، وأن لا خيار للمغبون .... وعندي أنه قد يتعلق بما وقع في المدونة من وكيل وكل على شراء سلعة فاشتراها بأضعاف قيمتها، فإن ذلك لايلزم الآمر . قال في المدونة: ويلزم المامور . ولايلتفت في هذا الإطلاق إلى كون المامور مغبونا . لكنه قد يتعذر عنه بأنه لم يرد الكلام على حكم الغبن، وإنما أراد أن ذلك يلزم المأمور، وأن يكون اشترى وهو عارف بالقيمة .....وهذا الاختلاف سببه ماقع من ظواهر تجاذبها المختلفان فمن ذلك قوله تعالى:"لاتاكلوا أموالكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجرة عن تراض منكم. "الآية فيقول من يرى الخيار للمغبون: إن الغبن أكل ماله بالباطل فلا يقضى به لنهي الله تعالى عنه . ويقول من لايرى الخيار للمغبون: قد استثنى تعالى من ذلك التجارة استثناء عاما . وكل تجارة الأكل فيها جائز على الإطلاق،كان فيه غبن أولم يكن . ويقول الآخرون هذا الاستثناء كأنه ليس من الجنس، ولاعائد للاول، وتقدير الكلام:"لكن التجارة عن تراض جائزة وأما أكل المال بالباطل، فلا يقع فيه استثناء" ــ شرح التلقين م، س، ج:5، ص: 606 ــــ 607 ــــ 608.
والبيان والتحصيل للحافظ ابن رشد ج: 3 ص: 354 ـــــ 355.وراجع لكل هذا بحثي الاختلافات الاصوليه النقليه وأثرها في الفروع عند المالكيه عند الكلام على الاستثناء من غير الجنس.
ااانتهت هذه الحلقة من تحقيقات من كتب وأخبار الامام المازري وخاصة شرح التلقين، لقننا الله وإياكم الحجة في كل وقت وحين


الدكتور عبدالرحمن حمدي ابن عمر




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال