شعر الستة الجاهليين في تراث الشيخ محمد المامي (اهتماما وخدمة)

 





اهتم سلف شيوخ المحاضر وطلبتها بعلوم اللغة العربية اهتماما منقطع النظير، يترجمه ما خلفوه من تراث لغوي فريد، يستحق على الخلف الاعتناء به دراسة وتحقيقا، قبل أن تطمسه عاديات الزمن فيصبح في خبر كان.
ومن المتون اللغوية التي درسها الشناقطة وشرحوها المختار من شعر الستة الجاهليين، كما ذكر الشيخ المختار بن حامد في جزء الثقافة من موسوعته، حيث قدم أسماء ثلة من العلماء الذين وضعوا عليه شروحا وبقي عليه آخرون.
ومن أعلام الشناقطة الذين خدموا هذا الديوان الشيخ محمد المامي، الذي قام في إطار اعتنائه ـ بالأدب العربي والدرس اللغوي ـ بإسداء خِدمة جُلّى في هذا الباب للطلبة، تمثلت في العمل على ضبط مشكل كلمات ديوان مختارات شعر الشعراء الجاهليين الستة، تجسيدا لقاعدة "شكل ما يشكل"، فمفردات اللغة قد لا يدرك ضبطها باكتساب القواعد النحوية والصرفية.
وكان الشيخ قد حصل على نسخة من هذا الديوان عام 1252هـ، "أهداها إليه عالم مغربي يسمى عبد السلام. ولعله عبد السلام بن السلطان المولى سليمان العلوي ت: 1261هـ". (الديوان: ص412). كما يظهر مطارحته مع الشيخ الجكاني (عَلَما) المجلسي (المفاد: 1/ 349) بشأنها، حيث يقول:
رب حور مقصورة في الخيام
لم تجاوز قباب عبد السلام
بينما هي بين عود وريط
إذ ترامت بها ربى الآرام
قد أتتنا في عام "نبشر" تبغي
في ديار الشنظور حسن المقام
وديار القضاة غب جميل
شهدته في سالف الأيام
إلى أن يقول:
فجفاها أهل الخيار من القو
م ومالت لفتية الإلزام
فرد عليه الجكاني:
فجزاها شيخ الشيوخ جميلا
دق فيه جليل ذاك الإمام
همة منه واكتساب جزاء
فجزاه الإله أعلى المقام
فرد عليه الشيخ في مباسطة:
وابنه اللذ أعانه إن من خيـ
ـر معين ضمير الاستخدام
وقد ضبط الشيخ المشكل من مختار أشعار الجاهليين، بذكر كل مفردة تحتاج للضبط وشكلها على حسب ترتيب قصائد الشعراء وترتيبهم هم أنفسهم، مع التزام الإشارة إلى نهاية كل قصيدة بكتابة "قف" على هامش الصفحة. وربما يعلق في الهامش بشرح بعض المفردات. فجاء عمله في نحو ثلاث عشرة صفحة دون خاتمة أو مقدمة. بخطه تارة وبخط غيره تارة أخرى، ولعله بعض تلامذته.
وقد لخص الشيخ د. أحمد كوري يابه السالكي منهجية الشيخ، في تقديمه لمجموع أعماله اللغوية، فقال:
(والكلمات التي أورد فيه المؤلف قسمان:
ـ قسم يورد فيه الكلمة بدون ضبط، وهذا في الكلمات التي فيها أكثر من رواية، فيكون قصده من ذلك ترجيح الرواية التي ذكرها على الرواية التي لم يذكرها.
ـ وقسم يورد فيه الكلمة مضبوطة بالشكل، وهذا في الكلمات التي تحتاج إلى ضبط.
وهذا نموذج من بدايته: " بسَ ُِقط ـ فُِلفُِل ـ سفحتها"
فالكلمة الأولى: بسقط، من قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل = بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقد أتى بها الشيخ مضبوطة ليبين أنها بتثليث السين.
والكلمة الثانية: فلفل، من قول امرئ القيس أيضا:
ترى بعر الآرام في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل
وقد أتى بها مضبوطة ليبين أنها بتثليث الفاءين.
والكلمة الثالثة: سفحتها، من قول امرئ القيس:
وإن شفائي عبرة أن سفحتها
فهل عند رسم دارس من معول؟!
وقد أتى بها غير مضبوطة، ليبين أنها هي النسخة المختارة، مقابل النسخة الأخرى: "عبرة مهراقة").
هذا وتلمس إعجاب الشيخ محمد المامي بالشعر الجاهلي، في تضميناته وتلميحاته، ولا سيما حين يمثل شكر ألسن "لكن الجمادات" ببلاغة الشعراء الجاهليين الستة، في استسقائيته البديعة،حيث يقول:
لُـكْنُ الْجَمَادَاتِ يَحْكِي شُكْرُ أَلْسُنِهَا
أَقْوَالَ سِتَّةِ أَعْرَابٍ مَقَاوِيلِ
فقد عارض الشيخ معلقة امرئ القيس بقصيدة في علوم القرآن، سماها: "التنزيل والتخليل". وأشار الشيخ إلى أنه عارض بها امرئ القيس في قوله:
سبيلا إلى دار البقاء فسل سل
فما أنت إلا رهن "دارة جلجل"
وضمن فيها بعضها، كقوله:
تدليت من أعلى إلى غير أسفل
كجلمودصخر حطه السيل من عل
وأشار فيها إلى لقب امرئ القيس بقوله:
تحلت به أسماء لو سار سرها
إلى الملك الضليل لم يتغزل
وعارض أيضا معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي بقصيدته التي مطلعها:
على من ساد أمرد أو جنينا
وأجمل من كسا التاج الجبينا
وأشار إلى ذلك بقوله:
وما عمرو بن كلثوم بأوهى
عدا منكم وأكثر ناصرينا
ومن تضميناته منه قوله:
وسلجمة خضراء حفت بيابس
من الأرض قفر ليس فيه عريب
أقول لها لما رأيت اغترابها
وأنا كلانا شاحط وغريب:
(أجارتنا إنا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيب)
وقد يضمن مصراعا واحدا من البيت، مثل قوله في "التنزيل والتخليل"، مضمنا مصراع امرئ القيس:
تدليت من أعلى إلى غير أسفل
كجلمود صخر حطه السيل من عل
ومن تلميحاته له قوله:
منحت حدوج المالكية نظرة
وإني ببرد الشافعية مكتسي
وقوله في نفس القصيدة:
فَيَوْمِيَ مَعْدُولٌ بِهِ يَوْمُ جُرْثُمٍ
وَلَيْلِيَ لَيْلٌ نَابِغِيٌّ وَمَرْقَسِي
واستشهد في الميزابية على بدل كل من بعض، المشهور منعه، بقول امرئ القيس:
كـأني غـداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
فـ"يوم" بدل من "غداة"، فـ"تلعاب الأسنة" أبدل منه "حملات".
وفي الهمزية المديحية تلميحات بديعة لشعر امرئ القيس والنابغة وزهير، لا نطيل بذكرها، فقد تم التنبيه عليها في شرح القصيدة المنشور معها.



الاستاذ المعلوم لمرابط






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال