من أساليب الإيضاح التربوية في قصيدة الميزابية

 




دأب الشيخ محمد المامي على تقريب العلوم، بالمتوفر من وسائل الإيضاح، فقربها بالنظم الفصيح وبالشعر الحساني تارة، وبالمقارنة بمألوف في الحياة اليومية تارة أخرى، كالأدوات {الفردي} والأعلام {نون الوقاية كأحمد فغد} والنباتات {المصدر صدرت ليهودِ} والتضاريس {نجد المشاهير} ... الخ.
وقد استخدم جملة من أساليب الإيضاح التربوية في قصيدته الميزابية، نذكر منها هنا تقريبه للاعتراضات على القياس في الميزابية الحقيقية، بتشبيهها بأقواس، لكل منها سهم أو سهام، مركزا في المعجم المستخدم على الحقل المرتبط بالقتال، لمناسبة أدوات الحرب لمقام الاعتراض على المستدل:
أما قوادحه فكل فريصة == ترمى بقوس ليس تعدو قابها
وقد بين منهجه في ذلك حيث يقول:
والقوس هيّ الإعتراض وسهمها == مجرور باء مكتس أثوابها
ولم يفته في هذه المقام أن يستحضر استخدام أرباب الغزل لهذا الحقل المعجمي، في تورية بديعة عن "رابعة" الأقواس:
وسهام "رابعة" كثير فاخشها == ولتحصرن في عشرة أضرابها
فرابعة علم على امرأة، وهي هنا رقم إحدى الأقواس. وكثيرا ما تحدث الشعراء عن سهام العيون النجل وأفعالها.
والاستفادة من هذا الحقل الغزلي هنا، تقرب من قوله في الأريمدية:
وَإِنْ شِئْتَ إِبْطَالَ الْمَسَالِكِ فَاطْلُبَنْ == قَوَادِحَ لِلْعِلاَّتِ مِثْلَ الْمَفَاتِحِ
كَقَوْلِ جَمِيلٍ إِذْ تَبَيَّنَ عِلَّةً == لِحُكْمِ الذِي فِي صَدْرِهِ مِنْ تَبَارِحِ
(رَمَى اللهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بِالْقَذَى == وَفِي الْغُرِّ مِنْ أَنْيَابِهَا بِالْقَوَادِحِ)
فقد {استخدم المناهج الأصولية لتشخيص "علة" جميل بثينة وقيس (مجنون ليلى) والبحث في مسالكها وقوادحها؛ فصارت القصيدة كالشرح لبيت جميل}، كما يقول الشيخ أحمد كوري.
ولأن الشيخ حرص في الميزابية على أن تناسب همم أهل زمانه، فقد آثر الإيجاز في الأغلب الأعم منها، وخصوصا في هذه القوادح، التي اختصرها من اختصار البكري، فجاءت خلوا من المطولات:
وَاعْلَمْ أَخِي أَنَّ الْقَوَادِحَ جَمَّةٌ == مِثْلَ التَّرَاجُحِ لاَ تَرُمْ إِيعَابَهَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْحَصْرَ فِي أَمْثَالِهَا == مُتَعَذِّرٌ وَلْتَعْتَقِدْ إِقْرَابَهَا
وهو يقتفي في ذلك بأصله الشيخ البكري، في قوله: {وقد علمت بأن حصر العقل في مثل عدد الاعتراضات مشكل بينهما، وهو أمر للاصطلاح وللمواضعة فيه مدخل، لكن لا بأس بالضبط للتقريب، فنُعيِّن أولا أنواعها، ونُعيّن في مفتتح كل عدد أجناسه، فنبين لك أنها خمسةً وعشرين وأنواعها سبعة}.
وقد نبه الشيخ محمد المامي والشيخ البكري في هذا المقام، إلى التنبه لاختلاف اصطلاح الأصوليين والمنطقيين هنا. يقول البكري: {واعلم أن اصطلاح الأصوليين في الجنس والنوع يخالف اصطلاح المنطقيين، والمندرج جنس والآخر نوع، وعند المنطقي بالعكس...الخ}. ويقول الشيخ محمد المامي:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْقَوْسَ نَوْعٌ سَهْمُهُ == جِنْسٌ عَنَتْ أَصْنَافُهُ كُتَّابَهَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّ النَّوْعَ يَشْمَلُ جِنْسَهُ == وَاحْذَرْ مَنَاطِقَةً عَكَسْتُ خِطَابَهَا
كتبه المعلوم بن المرابط، كان الله له ولوالديه وأشياخه وأحبته وليا ونصيرا.


الاستاذ لمرابط المعلوم






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال