من تكرار مراقي السعود

 




على قول سيدي عبد الله
والعرف حيث قارن الخطابا* ودع ضمير الجمع والأسبابا
للعرف مكانة خاصة بين أدلة المالكية وفي ذلك يقول قائلهم ابن القصار"سبيلنا أن نرجع إلى عرف اللغة والشريعة . عيون الأدلة م، س، ج:3، ص:22." والعرف تطور إيجابي للغة، كما يقول العلامة عبد الله ابن بيه ؛ أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات، ط دار المنهاج، الطبعة الأولى:1427ه.2007م. ص:81.
. وقد اعتاد العلماء التكلم على هذا المبحث من وجهين:
أحدهما: تخصيصها لعمومات الشرع.
والثاني: تخصيصها لعمومات ألفاظ الناس . التوضيح في شرح التنقيح، ص: 98.
وقول سيدي عبد الله "والعرف حيث قارن الخطابا..." بمنطوقه على العادة المقارنة للشرع وبمفهوم الظرف في " حيث قارن الخطابا..." إلى العرف الفعلي الذي لم يقارن نزول الوحي والعرف الفعلي هو محل الخلاف عند أهل المذهب المالكي.
ولعل من العادة المقارنة نزول الوحي ما ورد في شرح التلقين للمازري من قوله معلقا على حديث: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعا." وقد اختلف المذهب في هذا الحديث، هل يحمل على إناء فيه طعام؟ فقيل إنما يحمل ذلك على الماء؛ لأنه غالب ما كان يوجد في آنيتهم، وإلا فالطعام أعز وجودا عندهم في زمانهم من أن تصل إليه الكلاب، فيخصص العموم بهذه العادة وكأنها عادة فعلية، لأن هذا إنما يرجع إلى أفعالهم، وهو ترك أواني المياه والكلاب دون أواني الطعام، وقيل بل يغسل سبعا، وإن كان ولغ في طعام أخذا بعموم هذا الحديث، ولا يخص العموم بمثل هذه العادة، وهذا الخلاف المذكور في المذهب المذكور والتعليل المشار إليه، يشير إلى إثبات الخلاف في هذا القسم" . إيضاح المحصول للمازري، م، س، ص: 331.
ومنها مسالة قلنسوة الشهيد ونحوها هل تزال عنه أم تدفن معه؟ وممن أجرى الخلاف فيها على هذه القاعدة ابن بشير حين قال في سياق حديثه عن الشهيد،" واختلف هل يزال عنه الترس، والخلاف في القلنسوة، والمنطقة، في المذهب قولان، أحدهما إزالتها، والثاني تركها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زملوهم بثيابهم) .
فلهذا لم يختلف في اللباس المعتاد والدرع وإن سمي ثوبا لغة فلا يسمى عرفا، وبين الأصوليين خلاف في تخصيص الألفاظ وتنزيلها على العرف ومن يقول لا ينزع عنه شيء يفهم من اللفظ دفنهم على هيئتهم من غير تقص لزيهم حتى يجيء يوم الحشر على الحالة التي استشهد عليها" . التنبيه م،س،م 2، 683 .
ومنها مسألة الشريفة هل عليها إرضاع أم لا؟
لقد جاء في تفسير ابن عرفة ، قوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن "، هذا عام مخصوص بالعادة فالشريفة التي ليس من عادتها الإرضاع لا يطلب ذلك منها، ونص الأصوليون على صحة التخصيص بالعادة...، ابن عطية فإن مات الأب ولا مال للابن فذكر مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم بخلاف النفقة، وفي كتاب ابن الجلاب رضاعه في بيت المال. وقال عبد الوهاب هو من فقراء المسلمين، قال ابن عرفة: "هذان يرجعان إلى قول لأن الفقر يستدعي الإعطاء من بيت المال"، والملحوظ أنه يعني بقوله: هذان، أي القولان الأخيران، فالقول الأول مخالف لهما؛ وما يدل له لا يدل لهما.والله تعالى أعلم
وقد جرت عادة الفقهاء المالكية أن يعبروا بتخصيص العادة هل يجوز أم لا؟ وإن كان التعبير بالحمل أولى أي حمل العام على العادة الفعلية.
العرف: لغة تعريف
ياتي العرف لمعان أقربها، لما نحن بصدده من المعنى الاصطلاحي ضد النكر، وكل ماتعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، والعلم، وعرف بذنبه عرفا أقر "وجاؤوا كأنهم عرف."أي يتبع بعضهم بعضا. وطار القطا عرفا أي خلف بعضه بعضا . فنجد أن أهم هذه المعاني هى ضد النكر وتتابع الشيء وخلفة بعضه لبعض وهي أمور سنلمسها في المعنى الاصطلاحي.
الأعراف العامة: حدها الشاطبي بأنها هي: "التي لا تختلف بحسب الأعصار والأمصار والأحوال، كالأكل والشرب والفرح والحزن، والنوم واليقظة، والميل إلى الملائم والنفور عن المنافر، وتناول الطيبات والمستلذات واجتناب المؤلمات والخبائث، وما أشبه ذلك. ". لسان العرب مادة عرف.
الأعراف الخاصة هي:"التي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأحوال، كهيئات اللباس والمسكن، واللين في الشدة والشدة فيه، والبطء والسرعة في الأمور، والأناة والاستعجال، وما كان نحو ذلك ." الموافقات، م، س، ج: 2، ص: 241.
تعريف العرف الفعلي: عرفه القرافي بأنه هو: أن يوضع اللفظ في اللغة لمعنى يكثر استعمال أهل العرف لمعنى ذلك المسمى دون بعض . الفروق، م، س، ج:1، ص:173.
ويعرف على حيدر العرف الفعلي ممثلا له ب"تعود أهل بلدة مثلا أكل لحم الضأن أو خبز القمح، فلو وكل شخص من تلك البلدة آخر بأن يشتري له خبزا أو لحما، فليس للوكيل أن يشتري للموكل لحم جمل أو خبز ذرة أو شعير استنادا على ــــ ذا في الأصل ولعل الصواب:إلى. ـــ هذا الإطلاق" . درر الحكام شرح مجلة الأحكام، م، س، الكتاب الأول ص:41
لم يذكر العلامة سيدي عبد الله العادة لكن ما دامت العادة تطلق على كما سنجده عند بعض فحول علماء المذهب المالكي مثل ما سنجده عند الامام ابن عاصم الذي يقول
"العرف ما يعرف عند الناس** ومثله العادة دون باس. "
ناسب أن نعرج على تعريف العادة:
العادة لغة:
العادة في اللغة مشتقة من العود، فقد ذكر ابن فارس من معاني العود:"تثنية في الأمر تقول بدأ، ثم عاد معجم مقاييس اللغة م، س، مادة عود .
"ثم حكى عن الخليل قوله في العود إنه: " تثنية الأمر عودا بعد بدء." المرجع نفسه ولسان العرب مادة عود .ثم أضاف ابن فارس عن العادة إن من معانيها:" "التمادي في شيء حتى يصير له سجية."
العادة اصطلاحا:
عرفها ابن فرحون بأنها: "غلبة معنى من المعاني على جميع البلاد أو بعضها."
وعرفها ابن عاصم بقوله:
"العرف ما يعرف عند الناس** ومثله العادة دون باس. " مرتقى الوصول م، س، ص:131.
الفرق بين العادة والعرف: العرف ما يعرف عند الناس
مرتقى الوصول م، س، ص:131.
بعد الكلام عن تعريف العرف والعادة من المناسب التعرض للفرق بينهما ليتم التعريف بهما أكثر.
وفي الفرق بين العادة والعرف ثلاثة آراء.
الأول: أنهما اسمان لمسمى واحد وهذا هو رأي جمهور المالكية، فهذا ابن العربي يقول القبس: "ومن أعظم مسائل العرف والعادة مسألة العهدة، وقد انفرد بها مالك دون سائر الفقهاء ." القبس، م، س، ج: 2، ص:788. ولا يبعد من ذلك قول القرافي: "القاعدة أن من له عرف وعادة في لفظ، إنما يحمل لفظه على عرفه. "ثم يردف قائلا: "وبالجملة دلالة العرف مقدمة على دلالة اللغة؛ لأن العرف ناسخ للغة، والناسخ مقدم على المنسوخ، أما العوائد الطارئة بعد النطق، فلا يقضى بها على النطق، فإن النطق سالم من معارضتها، فيحمل على اللغة . شرح التنقيح مع حاشية التوضيح والتصحيح، ج:1، ص:248.
"فقد استعمل في هذا الموضع أولا العرف وثانيا العوائد في معنى واحد، فدل على أنهما سيان عنده. وهو مقتضى صنيعه في الإحكام حيث يقول في سياق كلامه عما ينبغي للمفتي من عدم فتوى المستفتي حتى يسأله عن عرف بلده: وأن ذلك "أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء، وأن العادتين متى كانتا في بلد ليستا سواء أن حكمهما ليس سواء، إنما اختلف العلماء قي العرف واللغة هل يقدم العرف على اللغة أم لا ؟ الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس المصري المالكي تحقيق: عبد الفتاح مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، ودار البشائر، بيروت لبنان، 1416ه-، 1995م، ص:232.
"فقد استعمل هنا العادة أولا والعرف ثانيا في سياق واحد، فدل على أنهما سيان عنده": ويقول أيضا "وينبغي أن يعلم أن معنى العادة في اللفظ أن يغلب ــــ هكذا في النسخة المطبوعة بتحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، والتي اعتمدت في هذا البحث، وورد في نقل فاديغا موسى في الأدلة العقلية ج:1، ص:492. أن ينقل، ولعل المثبت اولى، بل سيصرح به القرافي أيضا في آخر كلامه هذا، حيث يفول... عن هذا الاطلاق: "وهو المجاز الراجح".ــــ إطلاق لفظ واستعماله في معنى حتى يصير هو المتبادر من ذلك اللفظ عند الإطلاق مع أن اللغة لا تقتضيه، فهذا معنى العادة في اللفظ . الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام م، س، ص:220."ثم أردف قائلا:"وهو الحقيقة العرفية، وهو المجاز الراجح في الأغلب، وهو معنى قول الفقهاء إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض" . المرجع نفسه، ص:221. ويقول أيضا في الفروق في سياق كلامه عن مشهور"فتاوى الأصحاب" بأن من حلف بأيمان المسلمين إنما تلزمه كفارة يمين وعتق رقبة إن كان عنده... وصوم شهرين متتابعين، والمشي إلى بيت الله في حج أو عمرة، وطلاق امرأته ولا يلزمه شيء من القربات غير ما تقدم "غير ما تقدم ذكره، وسبب ذلك أنهم لاحظوا ما غلب الحلف به في العرف، وما يجعل يمينا في العادة، فألزموا إياه؛ لأنه المسمى العرفي، فيقدم على المسمى اللغوي، ويختص حلفه بهذه المذكورات دون غيرها لأنها المشتهرة ولفظ الحلف والأيمان إنما تستعمل فيها دون غيرها وليس المدرك أن عادتهم يفعلون مسمياتها . الفروق م، س، ج:2، ص:176. "فقد أطلق العرف على العادة، ويقول القرافي أيضا في الفروق بعد عرضه أمثلة من الفروع الراجعة إلى العرف: "فجميع هذه المسائل، وهذه الأبواب التي سردتها مبنية على العوائد غير مسألة الثمار المؤبرة، بسبب أن مدركها النص والقياس، وما عداها مدركه العرف والعادة" . نقلا عن الأدلة العقلية م:2، ص:492.بتصرف .
وقد أطلق الشاطبي العرف على ما اتفق على تسميته بالعرف، فأنتج ذلك أنهما عنده اسمان لمسمى واحد . قلا عن الأدلة العقلية م:2، ص:492. بتصرف وبعد نقله كلاما للدكتور عبد العزيز الخياط يذهب فيه إلى أن الشاطبي يرى أن العادة من العرف يعلق يقول فاديغا موسى: بأنه لايظهر له ذلك الرأي الأدلة العقلية م:2، ص:493، الهامش رقم:1 وورد في كتاب النوازل الكبرى: "أن العادة والعرف من أركان الشريعة عند مالك وعامة أصحابه" . النوازل الكبرى ج:6، ص:382نقلا عن أصول فقه الإمام نالك أدلته العقلية م:2، ص:493. ويقول ابن عاصم في مرتقى الوصول في سياق كلامه عن التخصيص:
"والعرف كالعادة فيه خلف **والمنع ترجيح به محتف" مرتقى الوصول م، س، ص:85.
وبين شارحه الولاتي أنه يعني بقوله هذا: "أن العرف أي العادة فيه خلاف" . نيل السول م، س، ص:113.
ويقول ابن عاصم أيضا:
"العرف ما يعرف عند الناسومثله العادة دون باس. " مرتقى الوصول م، س، ص:131.
وهو الظاهر من قول الونشريسي: في سياق كلامه عن الشاهد الكامل العدالة الذي لا يظن به أنه يتساهل في تحمل الشهادة حرصا على نيل الجعل؛ إذ "العدالة تنافى لحوق هذه التهم إلا أن يكون العرف والعادة." المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق لأبي العباس أحمد بن يحيى بن عبد الواحد الونشريسي، دراسة وتحقيق:الأستاذة لطيفة الحسين، ط المملكة المغربية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سنة:1418ه- 1997م، ص: 265 264 - 263 - 262 -261 - 260 - 259 فدل على أن العادة والعرف عنده بمعنى واحد.
ويعلق فاديغا موسى على بعض نصوص أهل المذهب هذه التي هي لاشك ألصق ببحثنا هذا قائلا: "فهذه نقول بعض كبار المالكية تدل بوضوح على أن معنى العرف والعادة عندهم واحد . صول فقه الإمام مالك أدلته العقلية م:2، ص:493.
وأترك التطويل برأي غير المالكية محيلا على المرجع السابق نفسه
من المصطلحات المستعملة هنا الحمل:
إن تحديد المصطلحات ــ كما سبق وأن أشير إليه ـــ أمر له أهمية قصوى فليس المراد بالحمل هنا تخصيص العموم، وإنما هو من إجراء اللفظ على عرف قائله
وفي ذلك يقول الطاهر بن عاشور ومبينا معنى هذا الحمل ومفرقا بينه وبين التخصيص:"وليس هذا الحمل في التحقيق من تخصيص العموم، بل من حمل اللفظ على عرف قائله كما أشارله قول المصنف وسببه أن العوائد الفعلية إلخ " اشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج: 1، ص: 249.والعلامة الطاهر يومئ لقول القرافي: "العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصا ومجازا وغيره بخلاف العوائد الفعلية ..... وسببه أن العوائد اللفظية الناسخة ناقلة للغة ومعارضة لها من جهة أن الناسخ مقدم على المنسوخ ومبطل له ."
وقد اختلف المالكية في هذه القاعدة، وصاروا فيها إلى مذهبين:


الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال