من تكرار مراقي السعود __ الحلقة الخامسة والسبعون __





على قول العلامة سيدي عبد الله في سياق الكلام عما يخصص العموم
(والعرف حيث قارن الخطابا ...)
يشير به رحمه الله إلى التخصيص بالعادة الفعلية
وقد اختلف المالكية في التخصيص بالعادة الفعلية إلى مذهبين
المذهب الأول: أن العادة الفعلية تخصص العموم، وقد نسبه ابن عرفة إلى مالك حيث حكى عنه تخصيصه حديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم..." بالعادة الفعلية تفسير الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي، م/س/، ج: 2، ص: 667 .، وقد قال بهذا القول ابن خويزمنداد ، إحكام الفصول، م، س، ص: 269. وإليه ذهب الباجي وفي ذلك يقول: "يجوز تخصيص العموم بعادة المخاطبين. " إحكام الفصول، م، س، ص: 269. وقد وصف الرهوني هذ القول بأنه هو المعروف من مذهب مالك . تحفة المسؤول، م، س، ص 245، ج 3. ووسمه ابن حلولو بأنه المشهور حين قال: عن العادة إن "المشهور التخصيص بها .. . ولو كانت فعلية. " التوضيح في شرح التنقيح تقديم وتحقيق: إبراهيم أيتبولكسوت، م، س، ص: 99. وهذا القول هو المتبادر من طول مطال مطالعة الفروع المتداولة في الوسط المالكي وفي ذلك يقول ابن عبد السلام: "ظاهر مسائل الفقهاء اعتبار العرف، وإن كان فعليا " التوضيح للامام خليل بن إسحاق، ط، مركز نجيبويه، م: 3، ص: 324. ولا يبعد من ذلك قول القلشاني عن العرف: "لا فرق بين العرف القولي والعرف الفعلي في ظاهر مسائل الفقهاء. " اجع شرح الرسالة للقلشاني، مخطوط بمكتبة آل الشيخ سيديا في أبي تليميت، ولاية اترارزة، موريتانيا، ج:1، ص: 318. وقد اختصر كلامه محمد بن الحسن البناني حين نقله في حاشيته على الزرقاني. ط: دار الفكر1398 هـ.ج: 3، ص: 69.
ويقول ابن حلولو: "وفي مسائل كتاب الوكالات من المدونة وغيرها من كتب المذهب ما يدل على التخصيص بالفعلية. ولو كانت خاصة ." التوضيح في شرح التنقيح تقديم وتحقيق: إبراهيم أيتبولكسوت، م، س، ص: 99.
المذهب الثاني: أن العادة الفعلية لا تخصص العام وهذا القول نسبه الرهوني إلى بعض أصحاب مالك . المصدر نفسه والمكان وبه أخذ الباقلاني وفي ذلك يقول: "وإنما لم يجب القول بتخصيص العموم بذلك؛ لأن الشرع لم يوضع فيما ورد فيه من تحليل وتحريم وغير ذلك على عادة المكلفين، وإنما وضعه سبحانه على مابينا من تديين عباده، وإن كان مبنيا على استصلاح المكلفين، وقد تكون المصلحة باتفاق في الاقرار لهم على العقود والأفعال المعتادة بينهم، وقد يكون في ترك ذلك والتعبد بضده، وبهذا قرر عليهم عبادات ليست في عاداتهم، وحظر عليهم أفعالا ومأكلا وعقودا كانت معتادة عندهم، فهذا ما لا شبهة لهم فيه، وفيه إبطال لمن اوجب تخصيص العام بعادة المخاطبين، ولا فرق بين أن تكون العادة المتقررة بينهم عادة شرعية أو مألوفة عندهم بغير شرع، فإذا جاء الخطاب يمنع ذلك وجب منع جميعه. " التقريب والإرشاد، ج:3، ص: 253. وبه قال القاضي عبد الوهاب إحكام الفصول، م، س، ص: 269 وهو اختيار الإمام المازري حيث يقول: " فأما العادة الفعلية فلا يخصص بها . إيضاح المحصول، ص: 331 واقتصر عليه القرافي وحكى عليه الإجماع حين قال: "العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصا ومجازا وغيره بخلاف العوائد الفعلية .." . ثم قال القرافي "وقد حكي فيه الإجماع. "
شرح التنقيح، م، س، ج: 1، ص: 248 249 ـــ 250.
وقد مال إلى قول القرافي خليل بن إسحاق حيث قال في مختصره "ثم عرف قولي " كما لاحظ ذلك الحطاب في شرحه لمختصر خليل حين علق على قول خليل هذا بقوله: "وقوله "قولي" احترازا من الفعلي تبعا منه ـ رحمه الله ـ للقرافي وغيره ممن لم يعتبر الفعلي. " راجع مواهب الجليل، م، س، ط: دار الرضوان، م: 4، ص: 86.
وهذا المذهب هوالذي فهمه البناني في حاشيته على الزرقاني من قول خليل: هذا المتقدم قريبا حيث قال معلقا على ذلك :
"تبع المصنف القرافي وغيره في عدم اعتبار العرف الفعلي هنا وفي توضيحه ...... ونقل الوانوغي عن الباجي أنه صرح بأن العرف الفعلي يعتبر مخصصا ومقيدا، قال:" وبه يرد على مازعم القرافي، وقد صرح اللخمي باعتباره انظر طفي ــــ يعني مصطفى الرماصي ـــــ ... ." حاشية البناني على الزرقاني، م، س، ط دار الفكر1398 هـ.ج: 3، ص: 69.
وقد ذكر المؤرخ عمر الجيدي في سياق كلامه عن قول القرافي من العادة الفعلية أن الونشريسي اقتفى أثر القرافي في ذلك العرف والعمل م، س، ص:175.
وعند تأمل كلام الونشريسي في المنهج الفائق لم أعثر لكلام صريح للونشريسي في ذلك ـوإن كان نقل عن عمران البجائي قوله في سياق كلامه عن الأيمان اللازمة وارتباطها بعرف الحالفين وأنه: " إن كان العرف عندهم استعمالها في الأيمان التي تجري بينهم دون غيرها ،فلا يلزمه إلا إذا كان عرفا قوليا في إطلاق اللفظ، فيخصص عموم اللفظـ، وإن لم يكن عند هم عرف في استعمالها، وإنما عادتهم الحلف ببعض الأيمان دون بعض لزمه الجميع أخذا بعموم اللفظ ؛إذ العادة الفعلية لا تخصص العموم " المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق تاليف أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي دراسة وتحقيق عبد الرحمن بن حمود بن عبد الرحمن الأطرم ط دولة الإمارات الربية المنحدة، حكومة دبي، ،دار البحوث الإسلامية وإحياء التراث سلسلة الدراست الفقهية :16 ،الطبعة الأولى: 1426ه-- 2005م.ج:2،ص:670. . وقد حذف هذا النص من نسخة المنهج الفائق المنشورة مع دراسة وتحقيق:الأستاذة لطيفة سنة:1418ه.
ولعل الدكنور الجيدي رحمه الله فهم من تسليم الونشريسي لكلام البجائي أنه يقول بعدم التخصيص .بالعرف العملي والله تعالى أعلم.وقد انتزع الدكتور فاديغا موسى من تسليم ابن الشاط إدرار الشروق لابن الشاط مع الفروق، ج:1، ص: 174والقاضي محمد علي بن حسين راجع تهذيب الفروق، م، س، ج: 1، ص 190.لقول القرافي هذا أنهما يؤيدانه فيما ذهب إليه من عدم التخصيص بالعرف الفعلي فقال فاديغا موسى: "ويبدو لي أن ابن الشاط وصاحب تهذيب الفروق وافقاه كذلك في عدم جواز تخصيص العام بالعرف العملي، لكنهما خالفاه في مسألة تقييد المطلق بالعرف العملي، فقد منعه القرافي ولكنهما أجازاه. " الأدلة العقلية، م، س، م 2، ص: 511.
نوع هذا الاختلاف:
الذي يظهر أن الخلاف في التخصيص بالعادة معنوي مؤثر في فروع المالكية وذلك مابسطه المازري حيث يقول معلقا على حديث: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعا." وقد اختلف المذهب في هذا الحديث، هل يحمل على إناء فيه طعام؟ فقيل إنما يحمل ذلك على الماء؛ لأنه غالب ما كان يوجد في آنيتهم، وإلا فالطعام أعز وجودا عندهم في زمانهم من أن تصل إليه الكلاب، فيخصص العموم بهذه العادة وكأنها عادة فعلية، لأن هذا إنما يرجع إلى أفعالهم، وهو ترك أواني المياه والكلاب دون أواني الطعام، وقيل بل يغسل سبعا، وإن كان ولغ في طعام أخذا بعموم هذا الحديث، ولا يخص العموم بمثل هذه العادة، وهذا الخلاف المذكور في المذهب المذكور والتعليل المشار إليه، يشير إلى إثبات الخلاف في هذا القسم" . ويفهم من هذا أن المازري يستسيغ أخذ الأصول من الفروع، وهو خلاف ما ذكره عن ابن خويزمنداد في كلامه الذي تقدم على الكفار: "هل هم مخاطبون بفروع الشريعة." ومنهم من قال إن هذا الخلاف لفظي، فعقب على كلام المازري هذا بقوله: "وبالجملة فغلبة استعمال لفظ المسمى في غيره من حيث كونه ناسخا يخل بالوضع اللغوي فيؤثر فيه تخصيصا، وتقييدا وإبطالا. وترك مباشرة المسميات من حيث إنه ليس بناسخ، فلا يؤثر في الوضع اللغوي تخصيصا ولا تقييدا ولا إبطالا. فلذا حكى جماعة من العلماء الإجماع في أن العرف الفعلي لا يؤثر بخلاف العرف القولي، وقد حاول المازري في شرح البرهان الإجماع في ذلك. إلا أنه نقل خلافا في ذلك ..."والظاهر أنه ليس خلافا في اعتبار العرف الفعلي من حيث كونه ناسخا للغة، حتى ينافي الإجماع، بل هو خلاف لفظي محمول على ما سياتي في المسائل من أنه يؤثر في الوضع اللغوي في التخصيص والتقييد من حيث أنه من قبيل بساط الحال والأيمان إنما تعتبر بالنية ثم بساط الحال ثم بالعرف ثم باللغة" .
من أدلة المذهب الأول:
على المستوى الفرعي هناك فروع تم تداولها في الوسط المالكي تعمل على مسطرة هذه القاعدة وفحواها التخصيص بالعادة الفعلية وسنتكلم ــ إن شاء الله ــ على بعضها الفروع في الكلام على تطبيقات هذه القاعدة. ." وقد تقدمت أمثلة من ذلك في الكلام على حجية هذه القاعدة راجع التوضيح في شرح التنقيح تقديم وتحقيق: إبراهيم أيتبولكسوت، م، س، ص: 99.
من أدلة المذهب الثاني: الإجماع وفيه يقول القرافي "العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصا ومجازا وغيره بخلاف العوائد الفعلية المنسوخ ومبطل له . ثم قال القرافي "وقد حكي فيه الإجماع. " شرح التنقيح، م، س، ج: 1، ص: 248 249 ـــ 250.
مناقشة هذا الاستدلال:
لقد لاحظ العلامة ابن حلولو انتقاد بعض المالكية لنقل القرافي الإجماع على عدم التخصيص بالعادة الفعلية وفي ذلك يقول: "والحاصل أن الفعلية ليس كما زعم المصنف ــــ يعني القرافي ــــ في كتبه أنه مجمع على عدم التخصيص بها، وقد اعترضه الشيخ ابن عرفة وغيره " التوضيح في شرح التنقيح تقديم وتحقيق إبراهيم أيتبولكسوت، م، س، ص: 100. وراجع للتوسع حاشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج:1، 249.
شهادة بعض فروع المذهب
وسنذكر أمثلة منها ــ إن شاء الله ـــ في المبحث التالي تطبيقات هذه القاعدة.
تحرير محل النزاع:
إن تحديد موطن في هذه البحوث وفي هذه القاعدة خصوصا موضوعنا الشق الخلافي بين المالكية يظل مهما نظرا لندرة من تناول تحرير محل النزاع هنا فما من شك في أن ضوابط الخلاف في العادة الفعلية تظل خاضعة لتلك التي تجري في العادة القولية، ومنها:
ألا يكون هناك إقرار من الشارع لذلك العرف المخصص، وإلا اعتبر مخصصا اتفاقا؛ لأن المخصص حينئذ إنما هو إقرار الشارع وفي ذلك يقول الولاتي في سياق كلامه عن العادة الفعلية وكونها تنقسم إلى قسمين:"عادة مقررة قبل ورود العام وعادة مقررة بعد وروده، فأما التي بعد وروده، فكما لو نهى عن بيع الطعام بالطعام متفاضلا، وجرت العادة ببيع بعضه متفاضلا، وكانت في زمنه عليه السلام، وأقرهم عليه أو بعد زمنه، ودل على جواز بيع ذلك النوع بحنسه متفاضلا الإجماع، فهذه العادة مخصصة، والمخصص في الحقيقة الإقرار في الأول والإجماع في الثاني . نيل السول، م، س، ص: 113. وتحفة المسؤول، م، س، ج: 3، ص: 245"وعلى هذه العادة المقررة بعد ورود الخطاب حمل الرهوني قول مالك الآتي في الشريفة إنها لايجب عليها الإرضاع. وعلل ذلك ب: "أن هذه العادة هي عادة العرب قبل الإسلام، واستمر الأمر فيها بعد الإسلام إلى زمن مالك فإقرارها في زمن الوحي يقتضي التخصيص. " التوضيح لابن حلولومن الفصل الخامس من الباب الرابع إلى نهاية الباب الثاني عشر في المجمل والمبين، إعداد الطالب إبراهيم بولكسوت، ص: 99
أن لا يتغير العرف فإذا استحال العرف هنا، فإنه لا يعتبر مخصصا، وذلك ما يفهم من قول القرافي في العرف القولي: "العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصا ومجازا وغيره بخلاف العوائد الفعلية ..... وسببه أن العوائد اللفظية الناسخة ناقلة للغة ومعارضة لها من جهة أن الناسخ مقدم على المنسوخ ومبطل له. " شرح التنقيح م،س، ج: 1، ص: 248 249.
أن لا يكون العرف الفعلي عاما بأن كان جاريا عند جميع الناس... فإن كان واقعا من جميع الناس، فلا يختلف في اعتباره مخصصا، وفي ذلك يقول العلامة الطاهر بن عاشور محررا محل الخلاف في هذه القاعدة ومفرقا بين العادة الفعلية الخاصة التي هي: " صدور غلبة فعل دون غيره من جنسه من شخص حتى يظن أن لفظه إذا أطلق لا ينصرف إلا لما غلب عليه فعله؛ لأنه الذي يخطر له عند الذهن ." وبين التي هي عنده محل الخلاف وبين العوائد الفعلية العامة، التي لا تعتبر مخصصا ومعلقا على قول القرافي: "العوائد القولية تؤثر في الألفاظ تخصيصا ومجازا وغيره بخلاف العوائد الفعلية ..... وسببه أن العوائد الفعلية الناسخة ناقلة للغة ومعارضة لها من جهة أن الناسخ مقدم على المنسوخ ومبطل له. ". "..... العوائد الفعلية العامة وهي غلبة صدور فعل دون غيره من عموم الناس، أو من غالبهم فلا شبهة في التخصيص بها لعمومات الشريعة إذا كانت العادة موجودة وقت التشريع؛ ولعمومات أقوالهم ." حاشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج: 1، ص: 249.
وصفوة القول إن هذا التتبع لأقوال أهل المذهب ومن ذلك رفع سند الاختلاف في هذه القاعدة بذكر أن ممن قال بعدم التخصيص بها الباقلاني والمازري وكذلك جلب مثال لها عن ابن عرفة والرجوع لبعض المخطوطات مثل شرح القلشاني للرسالة وكذلك جلب رأي البجائي من المنهج الفائق للونشريسي مما لم أره فيما بين من شروح المراقي وليس كثيرا وهو مقتطف من كتابي الاختلاف الاصولي النقلي وأثره في فروع المالكية
وقد تركت تعريف العادة القعلية وبعض خصائصها في هذه الحلقات المختصرة حتى اع لها في الشرح الذي انوي ان اجمع فيه هذه الحلقات إن شاء الله تعالى كما امر بذلك بعض اهل العلم ممن طالعوها


الدكتورعبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال