من تكرار مراقي السعود __ الحلقة الثمانون __

 




على قول العلامة .سيدي عبد الله في مفهوم المخالفة
فعدد ثمت تقديم يلي
وهو حجة على النهج الجلي
يشير سيدي عبد الله حسب ما تقدم بقوله:"وهو حجة .." إلى مذهب مالك واختلاف أتباعه من اهل أهل مذهبه في المفهوم وسأتكلم على الخلاف في هذه المفاهيم جملة دون اللقب لضعفه كما أشار له سيدي عبد الله .
ولعل ملخص هذا المبحث
على غرار خلافهم في تحديد مفهوم المخالفة، اختلف المالكية في حجيته، ولشيوع هذا الخلاف بين المالكية، قال عنه المازري: "وأما مفهوم المخالفة فالاختلاف فيه مشهور وحكي عن جماعة من العلماء إثباته وأضيف ذلك إلى بعض أصحاب مالك إيضاح المحصول، م، س، ص: 338 . "وبالجملة فقد انقسم المالكية في هذا الأصل إلى مذهبين:
المذهب الأول: أن مفهوم المخالفة حجة، وقد حكى هذا القول ونصره جمع غفير من المالكية، منهم ابن القصار الذي صرح بأنه من مذهب مالك حين قال: "ومن مذهب مالك ــ رحمه الله ــ أن دليل الخطاب محكوم به، وقد احتج بذلك في مواضع منها حيث قال: إن من نحر هديه بالليل لم يجزه، لقول الله عز وجل "ويذكروا اسم الله في أيام معلومت" دليله: أنه إذا لا يجزيه إذا نحره بالليل. المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس برواية سحنون عن ابن القاسم تحقيق وتخريج عامل الجارز عبد الله المنشاوي. ط: دار الحديث القاهرة: 2005م 1426ه، ج: 2، 181.
ولا يبعد من قول ابن القصار هذا نقل الزركشي عن المازري قوله: "أشير إلى مالك القول به ــ أي بدليل الخطاب ــ لاستدلاله في المدونة على عدم إجزاء الأضحية إذا ذبحت ليلا بقوله تعالى: "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" قال: "إنما ذكر الله الأيام، ولم يذكر الليالي." ونقل القول به عن ابن خويزمنداد، والباجي وابن القصار . البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين محمد بن بهار بن عبد الله الزركشي الشافعي، قام بتحريره: الدكتور عمر سليمان الأشقر، وراجعه د/ عبد الستار أبو غده، و د/ محمد سليمان الأشقر، م، س، ط/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت الطبعة الثانية: 1409ه.1988م، ج: 4. ص: 25.
"وقد علق الطاهر بن عاشور على هذا الاستدلال بقوله: "لكن التحقيق أن هذا من التمسك بأقل ما ورد؛ لأن شؤون العبادة لا تثبت إلا بتوقيف، فقد ثبت حكم النهار، ولم يثبت حكم الليل " حاشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج:2، 41 42 وممن حكاه عن مالك القاضي عياض حين قال عن دليل الخطاب: وبه يقول مالك ." جريت في ذلك على نقل الونشريسي في المعيار، ج: 6، ص: 406.وممن نسب هذا القول إلى مالك ابن جزي تقريب الوصول بتحقيق: محمد المختار بن الشيخ محمد الامين الشنقيطي، ص: 169.
وابن عاصم حيث قال في مرتقى الوصول:
وسمي الدليل بالخطاب
وخصه النعمان باجتناب
ومالك قال به والشافعي
وليس في المنطوق خوف مانع .
وسيدي عبد الله نفسه في النشر ، والولاتي في إيصال السالك اعتنى به أبو سلمان عبد الكريم، ط، دار الرشاد الحديثة 1433ه . 2012م. ص: 36.
وحكى الباقلاني هذا القول عن الأكثرين من أصحاب مالك التقريب والإرشاد، ج: 3، ص: 332.
والباقلاني يعني بأصحاب مالك الرعيل الأول من المالكية، وبعض تلاميذ مالك كعبد الرحمن بن القاسم، وأكثرهم، وذلك ما عناه الباجي حين قال عن دليل الخطاب" وبه قال متقدمو أصحابنا كابن القاسم وغيره. المنتقى شرح موطإ إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس رضي الله عنه تاليف القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الطبعة الأولى سنة:1332 ه. مطبعة السعادة،دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. ج: 1، ص: 10.
ولعل لنقل الباجي هذا الإشارة بقول المازري:" وأما مفهوم المخالفة فالاختلاف فيه مشهور، وحكي عن جماعة من العلماء إثباته وأضيف ذلك إلى بعض أصحاب مالك. إيضاح المحصول، م، س، ص: 338. وقد تبع الباجي الباقلاني في نسبة هذا القول لجمهور أصحاب مالك مع اختلاف ما حين قال في كلامه على حديث:" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر... فإن قالوا ليس في قولهم: "أدرك ركعة من العصر." أنه مدرك ما يقتضي أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا إلا من جهة دليل الخطاب، وأنتم لا تقولون به، فالجواب أن كثيرا من أصحابنا يقولون بدليل الخطاب انتهى من المنتقى وعبارته في إحكام الفصول "ذهب الجمهور من أصحابنا إلى القول بدليل الخطاب ". إحكام الفصول، م، س، ص: 514 - 515.
اضطراب رأي الباجي في مفهوم المخالفة:
من الملحوظ أنه وقع اضطراب في نسبة الباجي الأقوال إلى المالكية، في نقله المتقدم قريبا، فبينما نجده ينقل في إحكامه في كلامه المتقدم، وفي موضع من المنتقى عن جمهور المالكية القول بدليل الخطاب فيقول في سياق شرح الحديث: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر." يقتضي أنه أقل ما يكون به المدرك مدركا، وبه قال مالك ...فإن قالوا ليس في قولهم: "أدرك ركعة من العصر." أنه مدرك ما يقتضي أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا إلا من جهة دليل الخطاب، وأنتم لا تقولون به، فالجواب أن كثيرا من اصحابنا يقولون بدليل الخطاب كالقاضي أبي الحسن بن القصار، والقاضي أبي محمد بن نصر، وغيرهما، وبه قال متقدمو أصحابنا كابن القاسم وغيره، فعلى هذا يحتج بدليل الخطاب ." المنتقى شرح موطإ إمام دار الهجرة سيدنا مالك . ج:1، ص: 10..في حين نراه ينقل في موضع آخر من المنتقى عن كافة المالكية أنهم يقول في سياق تفسيره لقوله تعالى:"لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ". وحديثه عن الصيد وكون الله سبحانه وتعالى أخبر بأن على من قتل الصيد متعمدا ــــ وهو محرم ـــــ الجزاء: "وأما المخطئ بالقتل فلم يجر له في الآية ذكر فلامعنى للاحتجاج بالآية على إثبات الجزاء فيه ولانفيه إلا لمن يقول بدليل الخطاب، ونحن لا نقول به ....، وقد قال القاضي أبو إسحاق ـــ لعله يعني ابن شعبان ـــ ثبت حكم المخطئ بقوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فعم، وفي هذا نظر ." المصدر نفسه، م: 2، ص: 253، والعجب من محقق التوضيح ل"حلولو "، من الفصل الخامس من الباب الرابع إلى نهاية الباب الثاني عشرفي المجمل والمبين، إبراهيم أيت بولكسوت بجامعة القرويين، كلية الشريعة، أيت ملول، أكادير، السنة الجامعية 2007 - 2008م، حيث لم يعرج ولم يعلق - وهويحقق التوضيح لابن حلولو على نقل الشيخ حلولو لكلام الباجي هذا وقوله في ص: 161.::"وقال الباجي في المنتقى في الكلام على جزاء الصيد: "ونحن لانقول بدليل الخطاب ."حيث أوهم بذلك أن هذا هو نص كلام الباجي في المنتقى، والواقع أن الأمر ليس كذلك، بل نص كلام الباجي هوكما رأيت، حيث قال بعد ذكر دليل الخطاب: "ونحن لا نقول به". والله تعالى أعلم.
مع أن الباجي صرح في موضعين من إحكامه بأنه لايقول بدليل الخطاب
الأول منهما: قوله في فصل المطلق والمقيد، المتحدي الجنس المتعلقين بسبب واحد في سياق كلامه عنهما: أنهما لو حمل المطلق على المقيد منهما لكان:" هذا من باب دليل الخطاب، وسيرد الكلام عليه في موضعه، وأنه ليس بدليل فيقع التخصيص به ." إحكام الفصول، م، س، ص: 280 - 281
الثاني منهما: تعليقه على القول الذي لايعتبر دليل الخطاب دليلا بقوله:"وهو الصحيح عندي ." المصدر نفسه، ص: 515.
فلايمكن أن تصرف كلمة الباجي هذه " نحن " عن الجمع إلى التعظيم بدليل أن العلماء وخصوصا علماء المغرب والأندلس كانوا يفضلون التواضع، ولأن الباجي أيضا قال بعد قوله "ونحن لا نقول به " مباشرة:"ولا داود ." حيث قارن ": نحن:" بداود الذي يرمز إلى المذهب الظاهري المعروف، فتحصل من هذا أن الباجي يعني كل علماء المذهب المالكي لانفسه.والله تعالى أعلم، وممن نسب هذا القول لأكثر المالكية الشريف التلمساني ، مفتاح الوصول، م، س، ص: 86. وحلولو التوضيح في شرح التنقيح، وممن قال بحجية دليل الخطاب من المالكية القاضي: عياض الذي استدل به، ورد على من وسمه بالضعف، ووصف الاستدلال به بأنه: أوضح وأبين من غيره . جريت في ذلك على نقل الونشريسي المعيار، م، س، ج: 6، ص: 405 - 406. بتصرف. قلت ولا قول لي ولعل العلامة سيدي عبد الله أشار إلى كلام القاضي عياض هذا بقوله عن مفهوم المخالفة (وهو حجة على النهج الجلي ) وذلك مما لم أره فيما بين يدي من شروح المراقي كجل هذه المباحث
المذهب الثاني: أن دليل الخطاب لايعتبر حجة، وحكاه الباقلاني عن كثير من اصحاب مالك ، التقريب والإرشاد ج: 3، ص: 333.
ونسبه الباجي إلى كافة المالكية حين قال عن دليل الخطاب: "ونحن لا نقول به ... وقد قال القاضي أبو إسحاق ـــ لعله يعني ابن شعبان ـــ ثبت حكم المخطئ بقوله تعالى: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فعم، وفي هذا نظر ." المنتقى، م، س، ج: 2، ص: 253 .وممن اعتمد هذا القول الباقلاني حين علق عليه بقوله:" وهذا هو الصحيح، وبه نقول . التقريب والإرشاد م، س، ج: 3، ص: 332." وقد نسبه إليه الباجي راجع إحكام الفصول م، س، ص: 280 - 281 .، و ص: 515.
والمازري ، يضاح المحصول، م، س، ص: 338 وممن مال إلى هذا القول الباجي الذي صرح بذلك حين قال عن دليل الخطاب:"إنه ليس بدليل،فيقع التخصيص به ."
المذهب الثالث:كونه حجة في حرف الغاية فقط .وهو الذي رجع إليه الباقلاني واستقر عليه أمره . راجع إحكام الفصول م، س، ص: 280 - 281 .، و ص: 515.
إيضاح المحصول، م، س، ص: 338.
توسع المالكية في الأخذ بمفهوم المخالفة:
. يبد وأن المالكية أطلقوا العنان لأفهامهم في الأخذ بالمفهوم حيث أجروه في كلام شيوخهم .
وذلك مايجليه قول ابن عرفة في سياق حديثه عن مسألة طلب الشفيع الشفعة في شقص ما
"وأما ذلك الشفيع الشقص المشفوع فيه، فلا أعلم فيه نصا جليا إلا ماتقدم من لفظ المدونة.ونزلت عندنا هذه المسألة عام خمسين وسبعين في شفيع أخذ بشفعته في دار ملك باقيها بشهادة عدلين دون ان يقف المشتري، ويشهد عليه بذلك، ثم إن الشفيع باع جميع الدار فقام المشتري يخاصم في الدارالمذكورة لبيعها دون إشهاد الشفيع عليه بذلك، ثم إن الشفيع باع جميع الدار، فقام المشتري يخاصم في الدار المذكورة لبيعها دون إشهاد الشفيع عليه بالأخذ، ولم يات بشيء لو أتى به قبل المبيع قدح في الشفعة عليه فوقف القاضي في إمضاء البيع وفسخه وشاور في ذلك شيخنا أبا عبد الله السطي فلم يذكروا في ذلك شيئا غير كلام ابن الحاجب وما أشار إليه ابن عبد السلام من كلام ابن رشد، وكنت أنا وبعض فقهاء الوقت، وهو الفقيه أبو عبد الله بن خليل السكوني فعتبنا القاضي في الشهادة في البيع وكانت شهادتي فيها عاطفا عليه لاعتقادي فقهه ......فاحتججنا على القاضي بنص المدونة الأول قوله في كتاب الجنائز:" إذا اختار من له الخيار على المشتري، فهذا يدل على صحة أخذه بالشفعة قلت: فمفهوم قوله:" قبل أخذه أنه يجوز بعد أخذه، والعمل بمفهومات المدونة هو المعهود من طريقة ابن رشد وغيره من الشيوخ، وإن كان ابن بشير يذكر في ذلك خلافا فعمل الأشياخ الجلة إنما هو على الأول ." مختصر ابن عرفة مخطوط بمكتبة آل عاشور بالمرسى تونس م، س، ج: 3، لوحة 271. وللتوسع راجع المعيار ج: 6، 376 377.
لكن أبا عبدالله المقري حذر من هذا التوسع في الأخذ بالمفهوم حين قال فيما حكى عنه الونشريسي:" . إياك ومفهومات المدونة، فقد اختلف الناس في القول بمفهوم الكتاب والسنة، فماظنك بكلام الناس ....وبالجملة إياك ومفهوم المخالفة في غير كلام صاحب الشرع . المعيار م، س، ج: 6، ص: 377" لهذه القاعدة تطبيقات تشمل أبوابا فقهية شتى منها
مسألة النجاسة القليلة تقع في الماء:
وفيها يقول الطاهر بن عاشور:"أماحكم النجاسة القليلة تقع في الماء، فقد رأيتم في المتن ــ يعني مختصر خليل ــ وشروحه أن فيه قولين، ورأيتم كيف ضعفوا القول بالنجاسة، لكنه مختار الشيخ أبي محمد، وهو الحق لمكان شدة التحرج والاستقذار في ذلك، ويشهد له حديث:"إذا بلغ الماء قلتين إلخ ." فإنه يقتضي أنه إذا لم يبلغ ذلك نجسه كل ما يقع فيه من نجاسة، وهو صريح مذهب مالك؛ إذ كان صاحب الرسالة والجلاب الذين اشترطا ألا يعدلا عن مذهب مالك، وصريحه ذهبا إليه، ويؤيده قول المصنف ـــ يعني الشيخ خليل ـــ الآتي:"وإنريئت على فيه وقت استعماله عمل عليها . "إذ لولم يكن الحكم إذن النجاسة مع عدم التغيير؛ لأنه موضوع تلك المسألة الأولى بعينها، ما كان من معنى لعمل عليها .إنماهي المسألة الأولى بعينها . " أمالي الطاهر بن عاشور على مختصر خليل مخطوط بمكتبة آل عاشور بالمرسى /تونس/ الكراس،:1، ص: 23 - 24. فقد رأينا كيف أن الشيخ ابن عاشور جعل سبب الخلاف بين المالكية هنا مفهوم هذاالشرط هنا الذي هو:"إذا بلغ الماء." فمن لم ياخذ بهذا المفهوم رأى أن ماكان دون قلتين من الماء لايتنجس بمجرد ممازجة نجاسة قليلة ومن اعتبر هذاالمفهوم رأى أن مادون قلتين يتنجس بذلك .والله تعالى أعلم .ويقول القرافي: مبرزا كون هذا الماء تعارض فيه ظاهر الكتاب مع مفهوم المخالفة وأنه "لا يشترط وصوله القلتين خلافا ش لأن الاستدلال بحديث القلتين ـــ وإن صححناه ـــ فهو بالمفهوم، واستدلالنا بظاهر القرآن، وحديث بئر بضاعة استدلال بالمنطوق، وهو مقدم على المفهوم إجماعا." الذخيرة تحقيق: محمد حجي الطبعة الأولى:1994م دار الغرب الإسلامي.بيروت .ج:1، ص:172.
وهذه المحاولة لتتبع ورصداختلاف المالكية وإعمالهم لمفهوم المخالفة مع عرض مثال لهذا الاختلاف في هذا المفهوم ولتوسع المالكية في الأخذ بهذا المفهوم
مما لم أره فيما بين يدي من شروج المراقي وليس كثيرا
وللتوسع يراجع كتابي الاختلافات الأصولية لهذا المبحث فهو مقتطف من ذلك الكتاب.


الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال