من تكرار مراقي السعود __ الحلقة الثانية بعد الستين

 

على قول العلامة سيدي عبد الله في افعال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

(وفعله المركوز في الجبله.

كالاكل والشرب فليس مله

من غير لمح الأصل والذي احتمل

شرعا ففيه قل تردد حصل

فالحج راكبا عليه يجري

كضجعة بعد صلاة الفجر

وغيره ...)

على قوله( والذي قد احتمل ...)

لقد ذكر العلماء فروقا بين الجبلي والتشريع ويقول الامام ابن عاشور في حاشية التوضيح والتصحيح ملخصا وذاكرا بعض خصائص الجبلي.

"والقاعدة هنا المستخلصة من خلاف كثير أن الفعل إن جاء فيما شأنه التشريع كوقوعه بيانا، أو فيما لا يجيء إلا شرعا من عبادة أو أخذ بحق، فهو تشريع، وإلا فهو الجبلة والعادة كأنواع اللباس والطعام، وإن لم يتضح أمره لكونه قريبا من الجبليات، لكننا نجده دخل في العبادات، وتعلق بها كالركوب عند وقوف عرفة، وكالضجعة على الشق الأيمن بعد صلاة الفجر" .

مسألة الضجعة بعد ركعتي الفجر:

المشهور في مذهب مالك أن الضجعة بعد ركعتي الفجر مكروهة وفي ذلك يقول خليل عاطفا على ما يكره: "وضجعة بين صبح وركعتي فجر "ويقول ابن حلولو في توضيحه"المعروف من مذهبنا نحن أن الضجعة بعد الفجر غير مشروعة ."

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يضطجع ضجعة خفيفة بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح واختلف هل هي مشروعة أم لا؟ وبين الأصوليين خلاف في أفعاله كلها هل يقتدى به فيها أو يختص الأمر بالاقتداء بما يظهر منه قصد القربة؟فهذا مذهب جمهورهم، وهو الموافق للمشهور في هذه المسألة. "راجع التنبيه لابن بشير مجلد1/ص:558.

وممن مال إلى ندبية هذه الضجعة ابن حبيب حيث يقول:" وأنا أستحب هذه الضجعة اتباعا لأمره صلى الله عليه وسلم وأتساء بفعله صلوات الله عليه" .

الواضحة كتب الصلاة وكتب الحج لعبد الملك بن حبيب الأندلسي أبي مروان السلمي ت:238 هـ.رواية يوسف بن يحيى المغاربي وغيره عن ابن حبيب تحقيق وتعليق د/ ميكلوشموراني، الطبعة الأولى: 1431 هـ. 2010 هـ.ص: 103

وإلى هذه الضجعة اشار سيدي عبد الله بقوله(كضجعة بعد صلاة الفجر ....)

والله تعالى اعلم.

لقد دار اختلاف في بعض افعال الحبيب المصطفى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم سيورد العلامة سيدي عبد الله بعض امثلته في قوله (كضجعة بعد صلاة الفجر)

هو في الخقيقة راجع إلى الاختلاف في حال فلو عرف محمل الفعل لم يقع فيه اختلاف وذلك ما يحرر في المحور التالي

تحرير محل النزاع الاختلاف إنما هو في غير ما عرف كونه جبليا محضا وعبادة محضة

والاختلاف إنما هو عو في افعاله صلى الله عليه وسلم الجبلية الملابسة للعبادات وفي ذلك يقول ابن العربي في المحصول

نعم هناك خلاف في الفعل الصادر في العبادات هل يحمل على الوجوب او الندب وسنذكره لاحقا بحول الله تعالى

(واما وقوعه __اي الفعل __ في منشآ العبادات ففيه يقع الخلاف بين الوجوب والندب)

والاختلاف إنما هو في عدم علم حكم الفعل من وجوب او ندب او اباحة بنص شرعي انتهى من نفائس الاصول ج:5/ص: 2317. وحاشية التوضيح والتصحيح م/س/ ج 2/ ص: 61

جانب من الاختلاف في هذه القاعدة:

لقد اختلف المالكية في أفعال النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ الصدارة فيما يرتبط بالعبادات وصاروا فيها إلى مذهبين:

المذهب الأول: أن ما يصدر منه صلى الله عليه وسلم في شأن العبادة، على الوجوب؛إذ أفعال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ محمولة على الوجوب عند الإمام مالك.

وقد بين القرافي أهمية هذا القول مبرزا حضوره في أصول المالكية وتطبيقاتها حين قال: "الذي نقله المالكية في كتب الأصول، والفروع عن مالك هو الوجوب، كذا نقله القاضي عبد الوهاب في الإفادة... والفروع في المذهب مبنية عليه" .

وهذا القول نسبه جماعة من علماء المذهب لمالك ــ رحمه الله ـــ منهم: ابن القصار، حين قال في المقدمة : "ومذهب مالك رحمه الله أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب، وقد قال في مواضع كثيرة محتجا بقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" .

وممن نسبه إلى مالك القاضي عبد الوهاب في الإفادة فيما نقله عنه القرافي . في نفائس الاصول

وابن خويزمنداد واختاره قائلا: "وجدته ــ يعني مالكا ـــ في موطئه يستدل بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم كما يستدل بأقواله" راجع إيضاح المحصول ص:360 . والباجي في الإشارة .

وممن نسب هذا القول إلى مالك القرافي في شرح التنقيح . والرهوني في تحفة المسؤول ناقلا عن ابن خويزمنداد وعن أبي الفرج عن مالك وهو قول أكثر المالكية .

وممن حكي عنه هذا القول منهم ابن القصار كما . الأبهري. كما نقله عنهما الباجي في إحكام الفصول وهو اختيار الباجي حين قال عن هذه الأفعال في إحكام الفصول "والذي أذهب إليه أنها على الوجوب حتى يدل دليل على غير ذلك" .

المذهب الثاني:

أنه محمول على الندب "وبه قال أبو بكر الباقلاني" .ونقله عنه الباجي في إحكام الفصول ص:309.

وابن المنتاب كما في إجكام الفصول . وقد أسند ابن العربي هذا القول إلى المحققين، ووصفه في المحصول بأنه: "هو الصحيح" .

من امثلة وتطبيقات هذه القاعدة:

مسألة ركعتي الطواف:

ولا يبعد من الخلاف في أفعاله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ الملابسة للعادة الخلاف في ركعتي الطواف، فهما ملابستان للطواف، الذي هو لا شك عبادة، فقد اختلف في كونهما سنة أو واجبا، وقيل هما واجبتان في الطواف الواجب والركن وسنة في المندوب. وقد اختار الحطاب هذا القول، وقال عنه إنه راجح، ومشهور في المذهب وفي ذلك يقول معلقا على قول خليل "وفي سنية ركعتي ووجوبهما تردد ": أشار بالتردد لتردد المتأخرين في النقل، فاختار الباجي وجوبهما مطلقا، وعبد الوهاب سنيتهما مطلقا، والأبهري وابن رشد أن حكمهما حكم الطواف في الوجوب والندب. وهذا الثالث هو الظاهر، وعليه اقتصر ابن بشير في التنبيه. وقال سند لا خلاف بين أرباب المذاهب أنهما ليستا ركنا، والمذهب أنهما واجبتان تجبران بالدم انتهى. وقال ابن عسكر في العمدة: "والمشهور أن حكمهما حكم الطواف". وقال في شرحها: "ذهب ابن رشد إلى أن حكمهما في الوجوب والندب حكم الطواف".

وقال الباجي: "الأظهر وجوبهما في الطواف الواجب ويجبان بالشروع في غيره انتهى. فتحصل من هذا أن الراجح والمشهور من المذهب وجوب ركعتي الطواف الواجب والله أعلم" . والخلاف في ركعتي الطواف راجع للخلاف في أفعاله صلى الله عليه وسلم، كمايظهر من فتوى ابن عمر حين سئل "عن رجل طاف بالبيت في عمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة، أيأتي امرأته؟ فقال قدم النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" . مواهب الجليل ط دار الرضوان ج: 3، ص: 523. والملحوظ أنه وقع عدم دقة في العزو إلى الحطاب في ميسر الجليل للعلامة محنض بابه بن اعبيد، ط، دار الرضوان، ج: 1، ص: 338. فقد عزى لللحطاب تشهير القول بالوجوب مطلقا.

وهذا الاختلاف محله فيما كان غير جبلي وله الاشارة بقول العلامة سيدي عبد الله(وغيره....)

وصفوة القول إن تحقيق الخلاف مذهب مالك في افعاله صلى الله عليه وسلم المرتبط بالعبادات وتتبع اختلاف اهل ذلك المذهب في هذه القاعدة معزوا إلى اصحابه وكتبه وتحقيق كلام ابن حبيب وإسناده إليه في الضجعة بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح وتحقيق بعض اصوليي وفقهاء المالكية مثل حلولو فيها والتدقيق في بعض العزو فيما هو مشهور المذهب في ركعتي الطواف

مما لم اره فيما بين يدي من شروح المراقي وليس كثيرا

والله تعالى اعلم

الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر