ثالثة الليالي (أبشروا: اكتشاف بقية من الأعفر على عد الحصى للشيخ محمد المامِ)

ليس سهلا عليَّ أن أصف لكم مقدار سروري واعتزازي عندما أنعم الله عليّ بالعثور على كتابتين غير معروفتين لشيخ الإسلام الشيخ محمد المامِ بن البخاري في عد الحصى..تصوروا..لكم أن تتخيلوا !!
كتابتان لا يجدها القارئ في الدواوين المطبوعة له حتى الآن.
لم يكن ذلك فقط ما عثرت عليه: فقد وجدت مقالا مهما لشيخ الإسلام المُجدد محمد بن أحمد مسكه، كنا نسأل عنه منذ سنين، وقد طُبِع بالمطبعة الوطنية في نشرة الوحدة الثقافية التي قامت بتحقيقها اللجنة الوطنية لتحضير المهرجان الإفريقي الأول بالجزائر بعنوان: << الشيخ محمد المام من خلال شعره >>. لم أجد المطبوع بل المخطوط بقلم المؤلف (14 صفحة). فالحمد لله تعالى الذي رزق عينيَّ الاكتحال بهذه البركة العميمة.

كادت هذه الكتابات أن تتآكل في غيابات جب النسيان لولا توفيق الله تعالى جل جلاله.
لطالما عاتبني الأجلاء فضلا عن الرفاق في عدم نشري لما كتبته عن تراث الشيخ محمد المام في العلوم الطبيعية، وكان معهم الحق ولا يزال، لأن الإتقان مطلب عزيز.
لكنني دائما ما كنت أتعلّلُ بما يعرف عندنا ب: "طول العينْ". فقد أحسست منذ بداياتي مع علوم الشيخ محمد المام بأني لم أستوف المادة التي أسعى لعلاجها وأن إنتاج الشيخ في عد الحصى وما شاكله أكثر مما بين أيدينا. وقد أكد لي ذلك بعض أحفاده وغيرهم من الفضلاء.

سافرت إلى تيشيت وڭَـــرو فضلا عن عدة زيارات لانواذيبو والتميميشات وأكجوجت، واتصلت بالباحثين ومدراء معاهد المخطوطات في مالي والسنغال والمغرب، وبأهل شنقيطي وولاته...بحثا عن آثار مفقودة لعلماء أجلاء أمثال محمد الخضر بن حبيب وغيره.. وكان <<الأعفر على عد الحصى>> في البال إلا أني لا أظن أن العثور عليه بتلك البساطة!

مرّت كل تلك الأسفار والأوقات وأنا "أتخطى" مكتبة شيخ الإسلام الشيخ المجدد محمد بن أحمد مسكه، مع يقيني بغزارة ما فيها من نفائس لأنني كنت بحثت فيها أكثر من مرة لكن ليس بالتصميم ذاته الذي أوليتُـها هذه المرة.

كانت إحدى الرسالتين بخط الشيخ محمد المام حسب تقديري لكنها مصورة وقد غشيَها السواد؛ وأما الأخرى فأصلية كُتب فيها مَـرَّتَـيْن أنها منقولة من خط الشيخ، لكن أبشروا فلقد يسر الله تعالى قراءة معظمهما (95% تقريبا) وإدخالهما على الجهاز، والعملُ عليهما بالشرح والتعليق جارٍ والحمد لله تعالى الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات وله الشكر حق شكره.
ذكرني فتحُ الشيخ مكتبتَـه لي والعثور على درر نفيسة فيها بقول شيخ الإسلام الشيخ محمد المامِ في مدح أهل الفاظل:

لله در علوم آل الأفضل 🌟 وزلال تشلَ من الرحيق السَّلْسَلِ
إلى أن يقول:
فتحوا جنود العلم لما أصبحت 🌟 في جذم تيرس دارُه لم تحللِ

تنبيه: لم أجزم بعدُ أن كل ما كتب الشيخ في عد الحصى هو ما يقصده بالأعفر أم أن الأعفر كتاب مستقل وكل ما بين أيدينا من قصائد ومنثورات إنما هي نُـبَـذ مستقلة؟
لكنني أطلقُ الأعفر على كل ما عندنا الآن تجوُّزًا في انتظار ما ينفي هذا الإطلاق.

تآليف لشيخ الإسلام محمد بن أحمد مسكه:

لقد بلغ شيخُنا شيخ الإسلام محمد بن أحمد مسكه من التواضع ومجانفة الظهور أنه ألف كتبا لم يسع في التشهير بها، من ذلك كتاب وجدته في المكتبة منذ أعوام عن المذهبية وتبريز العلماء وأنهم هم حملة الدين المؤتمنون عليه.
وعندما حدّثته في الأمر وقلت له لم لا تبيض لنا هذا الكتاب أجابني أن كل شيء بقدر.
ثم إذا بي أجد له كتابا جديدا قديما بعنوان: <<وصول ثواب القراءة للميت>> (وجدته في الليلة الخامسة من البحث). (13 صفحة).
وعندما سألته قال إنه جواب لسائل سأله عن حكم الشارع في هذه المسألة. (وانظر الغلاف تجد السائل علقَّ عليه قائلا: طلبتُه من الابن الأبَـرّ، ذي الوجه الأغَـرّ، فجاد به من غير مهَل، وأكرم الناس مَن يُعطي على عَـجَل).
وثالثها: مقاله عن الشيخ محمد المام الذي سبق ذكره.
وقد وجدتُ تقاريظ عدة لبعض كتب الشيخ محمد لم تنشر من ذي قبل ! منها تقريظ القاضي الشيخ الطالب اخيار بن الشيخ بوننّ والعلَّامة محمد يحيى بن محمد عال بن عدود رحمهم الله تعالى، وتقاريظ أخرى شعرية لم أعرف أصحابها إذ لم يكتبوا أسماءهم.
ما يزال بحثي جاريا أيضا عن بعض تراث الشيخ كبحث جامعي له بعنوان: تأثير المتنبي في المغاربة.
وبهذا فإن تآليف الشيخ اثنان وعشرون (حتى الآن) وليست تسعة عشر كما سبق أن عددتها في تراجم طبعت مع كُتبه منذ سنوات. فليُعتمد ما في هذا المكتوب

ليست هذه أول مرة يَـمُـنُّ الله تعالى الكريم على العبد الفقير بمثل هذه الـتُّـحف، فلقد سبق أن عثرت على العقيدة الصغرى لسيدي وجَدِّي أحمد باب بن البخاري بن الفلالي في مكتبة جَـدِّي محمد بن حبيب رحمهم الله تعالى.
يبدو أني قضيت زهاء عقد من الزمان وأنا أبحث في مكاتب شتى تلقّـاني أهلوها بصدور رحبة..لكن القُرب كاد يحجب عني مكتبتيْ أسرتي الخاصة أهل حبيب وأهل أحمد مسكه!

كل ما سبق فضلا عما يلي:
- كثير من تراث الشيخيْن الجليليْن الشيخ محمد المامِ بن البخاري والشيخ سيدي أحمد بن اسْـمُـهُ في علوم شتى.
- كتابات عديدة ثمينة جدا لشخصيات مرموقة مثل العلّامة محنض باب بن اعبيد الـدَّيماني.
- والعلّامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي
- والعلّامة محمد بن محمد المامِ بن عبد الله العتيق اليعقوبي..
- وفتوى خاصة بآل أبي زيد أملاها العلَّامة محمد عال بن عبد الودود (عـدُّود).
- ونص شعري للعلّامة مولود بن أغشمّمتْ المجلسي
- ونصوص ملحونة من أشعار السيد أمِّينْ بن العتيق بن أحمد مسكه
- وقصائد لمحمد بن الصوفي بن امخيتير
- مطالع مدائح أحمد مسكه بن العتيق من إنشاء ابن البشير الغلاوي
- بالإضافة إلى نص مدحه به محمد المام بن مختار الله
- قصيدة نادرة جدا لعائشة بنت أحمد باب بن البخاري بن الفلالي
- قصائد للولي القاضي الشيخ محمدٌ بن أشفغ أعمر
- والولي الشيخ محمد عبد الرحمن بن ابُّـو
- وتقريظ للقاضي الشيخ الطالب اخيار بن الشيخ بونن بن الشيخ ماء العينين لكتاب "حذف من حقوق آل البيت الكرام" لشيخ الإسلام المجدد محمد بن أحمد مسكه.
- وتقريظا للكتاب ذاته كتبه العلَّامة محمد يحيى بن محمد عال بن عدود
- ونص رجزي للشيخ محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الأمين مؤلف من تسعة أبيات عنوَنه ب: هل عمل العلماء نص؟ ويبدو أنه سؤال وجّهه لجماعة الزاوية.
- نصوص عديدة لصلاحي وسيدآمين وامِّيه ومحمد عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ محمد المام ومحمد سعد بوه بن آدَّ وأحمد يعقوب بن سيدي إبراهيم .
- وتقريظ للأستاذ محمد إبراهيم بن محمد عمران لكتاب الشيخ محمد بن أحمد مسكه <<عقيدة أهل السنة>> (أظنني عثرت عليه في الليلة الخامسة).

الخطوط:
- سيدي أحمد بن محمد الامين بن أحمد مسكه
- ومحمد بن عبد الله علي بن محمد البخاري بن حبيب
- الشيخ هارون بن الشيخ سيديا
- الشاعر المؤرخ المختار بن حامدٌ (رجَّحت أن مرثيته لأحمد بازيد بن أحمد مسكه بخطه إذ كُتب بعدها: مع تحية المختار بن حمد) وجدتها في الليلة السادسة من البحث. بعد أن عثرت على نسخة مختلفة عنها قبل ذلك.
- أحمد بن باب بن محمودا بن محنض باب بن اعبيد الديماني
....

طيلة هذه السنوات، كنت توَّاقًا للتنقيب في مكتبة شيخي ابن أحمد مسكه، لكن واجب الوقت كان يقتضي مواصلة العمل الحثيث على إبراز تصانيفه الماتعة للأمة الإسلامية.
ثم إنه طلب مني منذ عام تقريبا أن أشرح قصيدة <<الدلفين>> للشيخ محمد المام وقد هالني ذلك غاية حينَها حتى لم أقدر على كتمان ذلك أمامه.
ثم بدأتُ أكتب بموازاة ذلك وغيره كتابا بالفرنسية عن حُـجَّة السلام شيخي الشيخ سيدي أحمد بن اسمه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ثم إذا بي بحاجة للتنقيب المأمول.. وفعلا وجدت فيما وجدت ما يُعينني بإضافات نوعية في مختلف هذه الأعمال وغيرها وفي كتاب أُعِدُّه عن شيخي محمد أيضا.

أهم ما استخلصته - مبدئيا - مما كتب الشيخ محمد المام في الرسالتين، هو التالي:
أن شرح عد الشيخ محمد المام للحصى لا يستقيم ولا يكون منصفا دون الاطلاع على هاتين الرسالتين المذكورتين. حتى الآن على الأقل لأنني ما أزال بالحدس القديم ذاته: أنه بقي المزيد في هذا المضمار لنعثر عليه ونتناوله بموضوعية.
ما يزال البحث متواصلا رغم المشاغل الحياتية، ورغم بطئه..إذ العثور على الدرر المقتضبة الخفيفة في مبناها أحيانا، يتطلب تفحص الكنانيش والمجامع ورقة ورقة بل وقراءة كل ورقة حرفا حرفا إذا تطلب الأمر.

بدأت رحلة البحث هذه، ليلةَ السبت السابع من جمادى موافق الثاني عشر من دجمبر الجاري، كنت أبحث عن كتاب للشيخ محمد المام في الفروق غير موجود ولا مذكور إلا عند الشيخ محمد بن أحمد مسكه حسب اطلاعي. لكني مع ذلك مستحضر أني في حاجة ماسة للحصول على آثار أخرى عديدة.
بدأ البحث بطيئا واستمر كذلك وفي كل مرة أجد شيئا جديدا حتى كانت الليلة الثالثة!

كانت كل ليلة بنكهة خاصة إلا أن الليلة الثالثة كانت فعلا "امْـرُوڭْـــ السّبُـوعْ" الذي له ما يميزه هو الآخر. لأني غدوت على الشيخ من الغد جالبا معي ما كنت قد "رُحت" به وجلست إليه جلسة طويلة أقرأُ له مقالَـه القديم المنسي، حرفًـا بحرفٍ حتى أكملته. وأرَيْــتُــه كنز الشيخ محمد المام المفقود.
لكم أن تتصوروا سعادة الإنسان عندما يرى من جديد قسمات بنات فكره التي طال عهده بها منذ عُقود.
لكم أيضا أن تتصوروا سعادة الشيخ محمد المامِ عندما يرى الغبار يُنفض عن بنات فكره. تلكم هي البنات التي لا تشيب مهما توالت عاديات الزمن.《من أرَّخَ لوَلي فكأنما أحياه》.
لهذا خاصة آثرت عنونة المقال ب: "ثالثة الليالي" تأشيرا إلى مناقضة قول العرب: (ثالثة الأثافي). وقد تغزّلت بمكتبة الشيخ العامرة ومسيرته الرائدة بما يناسب المعنى الـمحَلِّي الـمُشار إليه في الوزن الحساني التالي:

مَـرَّڭْـــتْ آنَ ذَ بَـعْـدْ اسْبُــوعْ 🌟 "حَــــامـدْ" عَوْدَانِي حَـدّْ اعْــلَ
وَطْــيَـاتِي هَـمُّـو ذَاكْـ الـنّـوعْ 🌟 نـكْـرِيـهْ اِعَـــدَّلْــهَا فَــعْــلَ

لقد بذل الشيخ محمد بن أحمد مسكه في إحياء تراث الشيخ محمد المامِ جُهدا لا يعرفه الكثيرون بل ولا يمكنهم أن يتصوروه أصلا.

صدقوني: كتب بخط يمينه زادها الله تعالى شرَفًا، تآليف الشيخ الجمة مطولاتٍ ومختصراتٍ..فضلا على جِدِّه في إنقاذ تراث سيدي عبد الله بن الأفضل والبخاري بن الفلالي وابنَيه أحمد باب ومحمد عبد الله، ومحمد الخضر بن حبيب... كان هذا منذ الستينات فالسبعينات ثم الثمانينات فبعضها مؤرخة .. لم تكن آلات التصوير متاحة كما هي الحال اليوم.
يسألك سائل اليوم عن كتاب للشيخ محمد المامِ يريده بضغطة زر ليجده أمامه على هاتفه!
كل ما ترونه اليوم مؤسس على جهود رجالات فطاحلة كان في صدارتهم وحامل لوائهم شيخُ الإسلام وارث المصطفى سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، مجدد القرن الخامس عشر، ألا وهو شيخي: الشيخ محمد بن أحمد مسكه حفظه الله تعالى.
على كل المجتمع الإسلامي والغرب - إفريقي خاصة أن يعتز بأن منه شيخ الإسلام المجاهد في الله لا تأخذه فيه تعالى لومةُ لائم...محمد بن أحمد مسكه حفظه الله تعالى وأنسأ في أجله ومتعنا به أزمانا مديدة. آمين آمين آمين اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.
كانا أسبوعين حافلين بالعطاء ونرجو من الله تعالى المزيد.

دعواتكم الصالحة. شكرا لحسن الإصغاء.

البشير بن أحمد مسكه بن حبيب
ليلة الثلاثاء 23 جمادى الأولى موافق 27 كانون الأول 2021م.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال