جمل من تفسير الشيخ محمد المامي للقرآن العظيم من خلال كتبه ورسائله وشعره ــ الحلقة الأولى
لا شك أن خير العلوم, ما كان مستمدا من كتاب الله ومن ذلك التفسير وقد كان الشيخ محمد المامي ينوي تأليف تفسير مقدر بمائة سفر كما جاء في مفاد الطول والقصرللعلامة محمد الخضر بن حبيب نقلا عن نقديم شبخنا أحمد ابن محمدادي لكتاب البادية مع مجموعة من مؤلقات الشيخ محمد المامي ص:15. وقد ذكر الشيخ بعض كتبه التي جعلها مقدمة لتفسيره في أبيات له يقول فيها :"مقدمة فيها من الكتب التي *تحلى بها في المسلمين رجال ومختصر فيه الخميس تخومه *إلى زمن السفاح وهو مدال *وخاتمة فيها قواعد مالك *لمن رام أعداد الفروع حفال*وزدورقات ثم خاتمة لها*على مائتي بيت تنيف كمال وإن شئت نظما للمغيني زدته *ففيه لبعض الواردين زلال *ونظم مفيد للهلالي إضاءة *كما اعوج في أفق السماء هلال ونظم خليل اللازورد بن قاصح *لأصحاب بدر والدليل مطال " ديوان شعر الشيخ محمد المامي المطبوع ص:450لكن هذا التفسير لما يصلنا ولما نعثر عليه حتى الآن وبقيت بعض أصداء التفسير في تآليف الشيخ محمد المامي وشعره وقد حاولت جمع ذلك في حلقات الأولى منها هذه
ومن المناسب هنا البدء بالبسملة ففي الفرق بينها وبين التسمية يقول الشيخ معلقا على قول خليل في المختصر :"وتسمية وتشرع ...":"قلت ولا قول لي يفهم من ما مضى الفرق بين التسمية والبسملة لأن البسملة عند المفسرين نص في جميع الآية ولذلك عدل عن لفظ البسملة إلى التسمية التي لها احتمالان ..."كتاب البادية م،س،ص:252.وقد علق أخونا بل وأستاذنا محمد يحيى بن احريمو على هذه الفائدة حين نشرتها شارحا لي بقوله :" بارك الله فيكم شيخنا فائدة مامية مهمة.قد يقال تعليقا على كللام الشيخ: إن وجه ذلك أن التسمية نص في الفعل - أي النطق بها- وقد يصدق ذلك على بسم الله فقط، لحصول معنى التسمية بذلك- والمطلق يتحقق بأدنى صورة -، أما البسملة فتطلق على " بسم الله الرحمن الرحيم" بكمالها لدى القراء والمفسرين "هل البسملة من القرآن"، والأصل أن تطلق على النطق بها كاملة لأنها من الأفعال المنحوتة فهي تلمح إلى الجملة كاملة. فإطلاقها على بسم الله فقط تجوز. والله تعلى أعلم:
وقد وقع هذا العبد الضعيف على ماسجله أستاذه محمد يحيى بالقول " أسكي أستاذنا أحسنتم بما أوضحتم ولا غرو لكن هو المطلق كما تعلمون من ميادين عمل قاعدة الأخذ بأخف ما قيل وفيها الخلاف هل يأخذ فيه بالآخر أم بالأول فيظل الاحتمال قائما ولعل ذلك هو وجه إطلاق خليل رحمه الله لها في مختصره إذ أبقاها محتمله ، حباكم الله من طلبة للعلم ومن حمله
في تفسير قوله تعالى "والصلح خير"
يقول الشيخ في نظمه لمختصرالإمام خليل :
ألصلح مندوب لقول الله جل *من قائل :"والصلح خير" وعقل
لدى ابن عرفة بالانتقال *من حق أودعوى بلا جدال..."
في تفسير قوله تعالى " إنما الصدقت للفقراء "إلى قوله "وفي سبيل الله"
ومن التفسير الذي نقله الشيخ عن غيره والظن أنه لايوجد في غير كتبه قوله في سياق نقله لجوابين لابن عمه العلامة الخرشي بن أحمد بن عبد الله عن زكاة مال الأتباع الذي لم يخل في ذلك العصر من نزاع و:"هو: أنه قال للذي سأله عن ذلك اقرأ آية المصرف فقرأ:" إنما الصدقت للفقراء "الآية فلما بلغ :"وفي سبيل الله "قال له :"اطرح النظر ثم ." فهذا الجواب مجزف وأما كيله فهو أن المداراة من سبيل الله وهو شأن المجاهد من كسوته ونفقته وغير ذلك والمجاهد مقدم على سائر المصارف كما أفتى بذلك حبيب الله بن القاضي وكما عد محمد بن المختار بن الأعمش الشنقيطي أن المداراة من سبيل الله ...والمدارة للزوايا قائمة مقام السور والسلاح فمن قام بها منهم مع الوجاهة والمنة ورد ألاي بالحسانية فقد بنى لهم سورا من عنده... "كتاب البادية ص:340.
في تفسير قوله تعالى:"لمسجد أسس على التقوى من اول يوم احق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" يقول الشيخ رحمه الله في سياق كلامه عن تفاضل المساجد باعابار صفاتها من مسقف وغيره :"وانظر أيضا هل تتفاوت المساجد بتفاوت أهلها وعندي أنه أولى لقوله تعالى:"لمسجد أسس على التقوى من اول يوم احق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" ... الآية كتاب البادية م،س،ص:252
من تفسير الشيخ الإشاري الذي أفهم في قوله الاتي :" في معنى قوله تعالى :"إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا "التفسير المعهود في الآية وصية للأجانب :"أنه غير معهود قوله :" في تفسير قوله تعالى " ادعوهم لآ بائهم ".يتحدث الشيخ في سياق كلامه عن حزازة كانت في صدره :"من التضييق على المقلدين ألا يتكلموا في نوازلهم التي لاتص فيها إلا بالتخريج الذي من شروطه معرفة القياس الكبير ومسالك العلة والقوادح وهي صعبة على كثير من الفقهاء ..."ويتحدث عن زوال تلك الحزازة والحمد لله قائلا عن مرد ذلك :"وسبب زوالها أنه خطرت على قلبي آية ولا حت لي فيها إشارات موافقة لكتب السنة والأية هي:" ادعوهم لآ بائهم " فظهر أن الآباء أصول الفقه الإجماعية التي يلحق بها وهي ثلاثة الأول من الأصول وهي الكتاب والسنة والإجماع والثالثة هي أقل الجمع على ما صدر به ابن الخطيب في قوله :"فصل أقل الجمع في اللسان *ثلاثة وقيل فيه اثنان" فظهر لي أن الامر في الآية أمر بالقياس وردا على نفاة القياس الذين منهم ممدوح وهو من يقف أو يقول بأن الأحكام استوفتها النصوص ومنهم مذموم وهو من يتبع النفس والهوى إن لم يرد نص ويقول نحن مخيرون فيما سكت عنه وإلى ذلك أشرت في باب القضاء من القصيدة الشافعية المسماة باللازوردية بقولي :" ومن ينف للآحاد فانف قضاءه * فأما نفاة القيس تابعو الانفس *إذا لم يرد نص فأمثال من مضوا *ومن يجتهد في غير الاخفا والاقيس *كفحوى الكلام والمفاهيم واضح *ففيه تراه الشافعية عن قسي*"وقوله تعالى :"هو أقسط عند الله" فيه إشارة إلى أن من نفاة القيس من هو على هدى لأن أفعل التفضيل لابد من شركته في أصل المعنى وإن كان لايقبل الشركة في الأفضلية كما نص عليه الزمخشري في تسمية طلحة يوم أحد بطلحة الخير" انظر خصائص العشرة له قوله تعالى "فإن لم تعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين "أي فإن لم يتيسر ما يقاس عليه فلكم عوض من ذلك وهي الأدلة التي في كتاب الاستدلال للأصوليين قوله :"ومواليكم"هي ما عدى كتاب الاستدلال من الاستدلال الخاص قوله :"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم " يعني به :"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر..." فالأجر يدل على انتفاء الجناح قوله تعالى :"ولكن ما تعمدت قلوبكم " يعني من مخالفة تغير الاجتهاد وتقليد المجتهد لغيره أوبقيد الأدونية :"قوله :"وكان الله غفورا رحيما " فيه تانييس للمستدلين وعدم تنفيرهم من القضاء الذي فيه غرر على الدين ونفع لعامة المسلمين قوله تعالى "النبيء أولى بالمومنين من انفسهم "فيه إشارة إلى رد مذهب المعتزلة من تحكيم العقل لان العقل محله النفس قوله تعالى:" وأزواجه أمهتهم "فيه إشارة إلى أن من احكام الشرع ما خص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولايتعداه إلى غيره قوله تعالى :"وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" في هذه الآية توسيع من جهة مراعاة الاخلاف وجواز الخروج من المذهب والتلفيق وتتبع الرخص للموسوس واطلقه القرافي فيما لاينقض فيه حكم الحاكم وفي الآية تضييق أيضا من جهة أنها إشارة إلى أن أهل كل مذهب أولوا أرحام خاصة فلا ينظرون إلى غيرهم فيما سبق قوله تعالى :"إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا "التفسير المعهود في الآية وصية للأجانب وأما الإشاري المقصود فهو نصر بعض أهل المذاهب لبعض والذب عنهم في تخالفهم كما أجيب عن الطعن في بعض مسائل أبي حنيفة بأن مدارك علمه خفية قوله تعالى :"كان ذلك في الكتب مسطورا "فيه إشارة إلى أن القياس من الدين كما درج عليه ابن السبكي ولأنه من الاجتهاد الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى :"وما ءاتيكم الرسول فخذوه" فكأن الاجتهاد مسطور في هذه الآية ضمنا قوله تعالى :"وإذا اخذنا من النبيئين ميثقهم في هذا إشارة إلى أخوة ملل الانبياء بعد الاشارة إلى أخوة المذاهب وأن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد فيه نص قوله تعالى:"وأخذنا منهم ميثقا منهم غليظا " في هذا التغليظ تهديد لولاة الجور بفتح الجيم وعلمائه لأن إذا غلظ الميثاق على أصفيائه المقربين فكيف بغيرهم فينبغي لهم أن يتمزقوا في البكاء وينسلخوا من جلود الأغراض الفاسدة الحاملة لهم على ترك الورع وترجيح أقدام الخصوم قوله تعالى :"ليسأل الصدقين عن صدقهم وأعد للكفرين عذابا أليما" في هذا زيادة للتهديد السابق وتبشير لأهل العدل المجتنبين للأهواء والبدع في الاجتهاد وإنذار أهل الزيغ والعناد والعياذ بالله . وقد علمت بعدم حجية الالهام عند حملة السنة الاعلام أما من يعبد الله بالفكرة فليس لنا معهم كلام إلا أهل التدلي من ذلك المقام ." كتاب البادية م،س،ص:410 ــ 411 ـــ 412 ــ 413. ــ 415
الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر

تعليقات
إرسال تعليق