قراءة في الميزابية للشيخ محمد المامي ــ الحلقة الثامنة ـــ

 



سبق وأن أشير في الحلقة السابقة إلى أن هناك تلميحات في هاته الأبيات سنرجئها إلى حلقة أخرى وهانحن بقضل الله نحاول الوفاء بذلك وفي هذه الحلقة تتجلى تلميحات الشيخ للمعاني البعيدة والسير والقصص المفيدة تلك التلميحات التي أشير سابقا إلى أن الشيخ رحمه الله لم يرد لمؤلفاته أن تخلو منها وأحرى في هذه القصيدة وفيها أيضا تظهر دعوة الشيخ لإثارة الغرب قبل عيسى بشد العزيمة والجهاد ،تلك النبرة التي بلغت ذروتها عند الشيخ في قصيدته :"على من ساد..."وهي أيضا فرصة نرى من خلالها أن الشيخ هو ناظم" ألفية السير "
وإذا الظواهر عارضتك فلا تكن* غرض الأسنة تتخذك نهابها وامنع تضافرها بصولة قلب * تحمي الحقائق واغتنم أسلابها*"قلب ":حديد القلب كما في شرح الشيخ" تحمي الحقائق"والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه من نساء وضياع ونحو ذلك "ولايبعد في نظر هذا العبد الضعيف القاصر أن يكون فيه تورية بإضافة الحقيقة التي هي ضد المجاز ولها صلة وثيقة بفن الجدل والأصول ولهذا يدل في قول الشيخ الآتي :"وكذاك نفي حقائق شرعية *مثل الصلاة فإن عقلك هابها " وسيتكلم عن الحقيقة الشرعية في شرح هذا البيت ــ إن شاء الله ـ
" واصبر لها ذا نية وبصيرة*إن كنت تحسن في الوغى تلعابها "
يقول الشيخ رحمه الله في الشرح "تلميح لقصة طلحة الأسدي مع أهل العراق وأمير المومنين سعد في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه "لعله يعني طليحة وقد ورد في المعجم الكبير للطبراني" كتب عمر الى سعد بن أبي وقاص بألفي : عمرو بن معدي كرب و طلحة بن خويلد و هو طلحة الأسدي فشاورهما في الحرب و لا تولهما شيئا ."
ولطليحة هذا أخبار في "القادسية" ذكرها سليمان بن موسى الكلاعي في كتابه" الاكتفا في مغازي المصطفى - صلى الله تعالى عليه وسلم - والخلفاء الثلاثة " ولعل الشيخ هنا يشير لها ومنها مارواه موسى بن طريف حين قال "قام طليحة في قومه حين استصرخهم سعد فقال يا عشيرتاه إن المنوه باسمه الموثوق به أنتم وإن هذا يعني سعدا لو علم أن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم لا ستغاثهم أبدؤهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعلهم شدوا ولا تصدوا وكروا ولا تفروا لله در ربيعة أي فري يفرون وأي قرن يغنون هل يوصل إلى مواقفهم فاغنوا عن مواقفكم أعانكم الله شدوا عليهم باسم الله فقام المعرور بن سويد وشقيق فشدوا ...عليهم فما زالوا يضربونهم ويطعنونهم حتى حبسنا الفيلة عنهم وخرج إلى طليحة عظيم منهم فبارزه فما ألبثه طليحة أن قتله..." و "لما رأى أهل فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة بني أسد رموهم بحدهم وبدر المسلمون الشدة عليهم وهم ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد فاجتمعت حلبة فارس فيهم ذو الحاجب والجالينوس على بني أسد ومعهم تلك الفيلة وقد ثبتوا لهم وكبر سعد التكبيرة الرابعة فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب تدور على بني أسد وحملت الفيول في الميمنة والميسرة على الخيول فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد وألح فرسانهم على الرجل وجد المقاتلة مع الفيلة فقال بعض الأسديين والله لأموتن أو لأطعنن عيني بعض هذه الفيلة فقصد لأعظمها فيلا فقاتل حتى وصل إليه وعلى كل فيل قوم يقاتلون فطعن في عين ذلك الفيل بسيفه وضربه سائس الفيل بعمود فهشم وجهه وأدبر الفيل فخبط من حوله واشتد القتال عند فيل منها فقال حبيش الأسدي لبشر بن أبي العوجاء الطائي أرى القتال قد أشتد عند هذا الفيل فتبايعني على الموت فنحمل على حماته فنكشفهم أو نقتل دونه قال نعم فحملا فضرب حبيش رجلا من الفرس من حماة الفيل فقتله ودنوا من الفيل فضرب حبيش مشفره فرمى به وضرب الطائي ساقه فبرك الفيل وانطوت الفرس على بني أسد فقتل حبيش... فقال طليحة وعمرو بن معدي كرب يا معشر الفرسان الأرض واقرنوا خيولكم ففعلوا وجفوا وأشرعوا الرماح فرجعت الخيل عنهم ورموهم بالنشاب فتترسوا فمكثوا بذلك مليا وأشفق المسلمون فحضهم طليحة وزهرة وعمرو فبينا هم على ذلك إذ سمعوا تكبيرا للمسلمين وراءهم فإذا قيس بن مكشوح قد جاءهم في ألف وأربعمائة فارس وستمائة راجل فانهزم المشركون قبل أن يصل إليهم ...فبعث النعمان طليحة بن خويلد وبكير بن الشداخ فارس أطلال ليعلما علم القوم فأما بكير فانصرف فقيل له ما درك قال أرض العجم ولم يكن لي بها علم فخفت أن يأخذ على مضيق أو بعض جبالها ومضى طليحة فأبطأ حتى ساء ظن الناس به فعلم علمهم ثم رجع فلم يمر بجماعة إلا كبروا فأنكر ذلك منهم وقال ما لكم تكبرون إذا رأيتموني قالوا ظننا أنك فعلت كفعلتك قال لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وأقام النعمان أياما حتى استجم الناس أنفسهم وظهرهم فلما كان يوم الأربعاء من بعض تلك الأيام دنا من عسكر المشركين "
قول الشيخ "حملات مورد كل هو مصدر "يقول الشيخ في الشرح هنا"حملات بدل من تلعابها بدل كل من بعض المشهور منعه ومنه: " كأني غداة البين يوم تحملوا*لدى سمرات الحي ناقف حنظل" فتلعاب الأسنة بدل منه حملات"وقد ورد في طرة ابن بونا في البدل "وزاد بعضهم بدل كل من بعض وخرج عليه قوله :"كأني غداة البين يوم تحملوا ..."وقوله :"رحم الله أعظما دفنوها *بسجستان طلحة الطلحات "
" مصدر *طعم الماهل ملحها وعذابها"يقول الشيخ في الشرح معلقا على هذا البيت "تلميح لقصة خالد ورافع الطائي "ولعله يشير إلى قصة لرافع بن عميرة الطائي وردت في الاستيعاب في ترجمته حيث جاء فيه :" "روى عنه طارق بن شهاب والشعبي، يقال: إن رافع بن عميرة قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال لمعرفته بالمفاوز"وفي مجمع الأمثال للميداني الذي يقول في سياق كلامه عن المثل"عند الصباح يحمد القوم السرى " :" إن أول من قال ذلك خالد بن الوليد لما بعث إليه أبو بكر رضي الله عنهما وهو باليمامة : أن سر إلى العراق فأراد سلوك المفازة فقال له رافع الطائى : قد سلكتها في الجاهلية وهى خمس للإبل الواردة ولا أظنك تقدر عليها إلا أن تحمل من الماء ثم سقاها الماء حتى رويت ثم كتبها وكعم أفواها ثم سلك المفازة حتى إذا مضى يومان وخاف العطش على الناس والخيل وخشى أن يذهب ما في بطونه الإبل نحر الإبل واستخرج ما في بطونها من الماء ومضى فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع : انظروا هل ترون سدرا " عظاما ؟ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك فنظر الناس فرأوا السدر فأخبروه فكبر وكبر الناس ثم هجموا على الماء فقال خالد :
لله در رافع أني اهتدى* فوز من قراقر إلى سوى
خمسا إذا سار به الجيش بكى* ما سارها من قبله إنس يرى
عند الصباح يحمد القوم السرى* وتنجلي عنهم غيابات الكرى
. ."وفوز ركب المفازة والله الموفق


الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من تكرار مراقي السعود __ الحلقة الثانية بعد الستين

شكر المزيد من فضل المعيد على مآثر وتأثير الجد العالم أحمد بزيد

كلمة مختصره في حياة (العامري) الجد بارك الله بن أحمد بزيد