مقام وضريح سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه في فاس القديمة _ المغرب

 




ولد رضي الله عنه سنة 1150 هجري الموافق 1737 ميلادي بقرية عين ماضي على تخوم الصحراء الجزائرية وهي بلده و مقر أسلافه
كانت هذه البلدة على قدر كبير من الأهمية العلمية و الدينية باعتبارها مركزا للصلاح و الولاية و معروفة بعلمائها الراسخين في العلم الظاهر و الباطن من أسلاف سيدنا رضي الله عنه
أما نسبه رضي الله عنه فهو شريف محقق ، أبو العباس سيدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير القدوة سيدي محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبي العيد بن سالم بن أحمد الملقب”بالعلواني” بن أحمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد الجبار بن إدريس بن إدريس بن اسحق بن علي زين العابدين بن أحمد بن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان أبوه رضي الله عنه وهو الشيخ العالم الورع الدال على الله بحاله و مقاله أبو عبد الله سيدي محمد ابن المختار كانت تأتيه الروحانية يطلبون منه قضاء حوائجه فكان يمتنع منهم و يقول :” أتركوني بيني وبين الله لا حاجة لي بالتعلق بسوى الله تعالى! ” .كان قائما بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، توفي رضي الله سنة 1166 للهجرة بالطاعون رحمة الله تعالى عليه.
نشأ رضي الله عنه بين أبويه الصالحين يؤدبانه و يربيانه و يلقنانه ، فربي في عفاف و صيانة محروسا محفوظا بالعناية و الرعاية ،لا يتقيد بما عليه الناس من العوائد و الزوائد ، متحليا بالأخلاق الحميدة ، أبيّ النفس عالي الهمة ، فكان لا يريد أمرا إلا ابتدأه ، و لا يبتدئه إلا أتمه و إذا تعلقت همته بشيء من الأشياء كائنا ما كان لا يهنأ له عيش و لا يقر له قرار حتى يصله و يتجاوزه.
بعد حفظه رضي الله عنه القرآن العظيم حفظا متقنا ووعيه إياه على ظهر قلبه اشتغل بتحصيل فنون علم الظاهر الأصلية و الفرعية و الأدبية فرزق منها الحظ الأوفر و النصيب الأكبر فقرأ على شيخه ” مختصر الشيخ الخليل” و ” الرسالة لأبي زيد القيرواني” و ” مقدمة ابن رشد” و “الأخضري” ، كما حفظ رضي الله عنه “متن البخاري”، و”متن مسلم”، و”الدردير”، و”الدسوقي”، و”المدونة”، و”موطأ الإمام مالك”، إضافة إلى متون أخرى عديدة و تمادى بطلب العلم زمنا ببلده حتى حصل من العلوم ما ينتفع به ، فكان رضي الله عنه يدرس و يفتي في تلك السن و له أجوبة في فنون العلم أبدى فيها و أعاد و حرر المعقول و المنقول فأفاد ، و أظهر بتدريسه الخفي و المكنون
يعظم أمر الشرع محافظا على السنة ولو في أقل القليل فيقول: “الخير كله في إتباع السنة و الشر كله في مخالفتها” .
يحافظ على إقامة الصلاة في أوقاتها في الجماعات يتقنها على أتم وجه في سكينة و خشوع ، يطلب التحقيق والتدقيق في كل شيء
يذكر الله عز و جل في كل وقت لا تفارقه سبحته ، يلازم الصلاة على الرسول صلى الله عليه و سلم و يحث عليها ، يحذر من الغيبة غاية التحذير ويتحرى الصدق ولا يحب كثرة الحلف يغض طرفه فلا تراه في طريق إلا ناظرا موضع ممره لا يلتفت ، يصل رحمه و كل من له قرابة به بتفقدهم و يكرمهم ، وكذا اهتمامه في إخوته في الدين، أعظم الناس عنده قربا أكثرهم في الله حبا
محبته في آل البيت النبوي محبة عظيمة ، يودهم و يهتم بهم و يتأدب معهم أحسن الأدب وينصحهم و يذكرهم بأخلاق النبي صلى الله عليه و سلم قائلا: ” الشرفاء أولى الناس بالإرث من رسول الله صلى الله عليه و سلم
أول من لقي سيدنا رضي الله عنه من السادات الأعلام زمن انتقاله إلى فاس الولي الكبير مولانا الطيب بن سيدي محمد اليملحي العلمي الوزاني رضي الله عنه ، فأذن له في تلقين ورده لكن امتنع سيدي أحمد التجاني لاشتغاله بنفسه رضي الله عنه
و لقي الولي الصالح صاحب الكشف الصحيح سيدي محمد بن الحسن الوانجلي رضي الله عنه ، و لما ورد عليه سيدنا رضي الله عنه قال له قبل أن يكلمه : ” إنك تدرك مقام الشاذلي .” و كاشفه بأمور كانت بباطنه وأشار إليه بالرجوع إلى بلده، واكتفى سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بالتبرك به دون الأخذ عنه.
انتقل سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بعد أن تحصل على إجازاته العلمية في القرويين من المغرب إلى جهة الصحراء قاصدا زاوية الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد الأبيض و أقام بها مدة منقطعا للعبادة و التدريس مدة خمس سنين ، من أوائل سنة 1181 هجرية ، و جرد نفسه فيها من العلائق وقطعها عن العوائق وجمع نفسه على الذكر وإعمال الفكر حتى لاحت عليه مبادئ الفتح وبوارقه. وكانت تأتيه الوفود للزيارة والأخذ عنه، فكان يمتنع عن ذلك كل الامتناع ويقول رضي الله عنه:” كلنا واحد في الانتفاع، فلا فضل لأحد على الآخر في دعوة المشيخة إلا سوء الابتداع.” وقد زار خلال هذه المدة بلدة عين ماضي مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده.
و من ثم انتقل إلى تلمسان قاصدا الحج لبيت الله الحرام ، و زيارة قبر نبيه عليه الصلاة و السلام و لما وصل إلى بلد أزواوى قرب الجزائر لقي الإمام العارف ذي الصيت الكبير أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الرحمان الأزهري رضي الله عنه و أخذ عنه الطريقة الخلوتية.
ولما وصل تونس لقي بعض الأولياء بها، منهم الولي الشهير سيدي عبد الصمد الرحوي رضي الله عنه وقد أخبره شيخ هذا الولي، من خلال رسول خاص، بأنه محبوب.
مكث سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه سنة، ما بين مدينة تونس ومدينة سوسة، فأفتى بها وأجاب على كثير من الأسئلة، ودرس عدة علوم وكتب، في مقدمتها كتاب “الحكم “.
فذاع صيته وبلغ خبره إلى أمير البلاد، فطلب منه الإقامة بالديار التونسية للتدريس والإفادة من علومه، وأعطاه دارا وخصص له أجرة مهمة للعمل، غير أن سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، الذي كان وجدانه مشدودا إلى ما هو أطهر وأسمى، لما جاءه كتاب الأمير أمسكه وسكت وتهيأ من الغد للسفر بحرا لمصر
وعند صوله إلى القاهرة بحرا، التقى بشيخها الأكبر، في ذلك الوقت، سيدي محمد الكردي المصري دارا وقرارا، العراقي أصلا ومنشأ، فلما ورد عليه سيدنا رضي الله عنه قال له سيدي محمد الكردي رضي الله عنه:” أنت محبوب عند الله في الدنيا و الآخرة ! ” وجرت بينهما مذاكرات.
فسأله الشيخ الكردي رضي الله عنه ، بعد أيام، عن مطلبه، فأجابه سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه بأن مطلبه هو الحصول على القطبانية العظمى. فقال له بمقتضى كشفه العياني و فراسته النورانية:” لك عند الله تعالى ما هو أجل من مقام القطبانية “، ثم تهيأ سيدنا رضي الله عنه لما هو بصدده من التوجه لبيت الله الحرام فودعه الشيخ و دعا له و ضمنه ذهابا وإيابا
ومن مصر توجه إلى بيت الله الحرام، وكان وصوله إلى مكة في شهر شوال عام 1773م الموافق 1187 هجرية.
كانت وفاته رضي الله عنه يوم الخميس السابع عشرمن شوال 1230 هجري الموفق 1815ميلادي و عمره ثمانون سنة، ودفن في فاس رضي الله عنه وأرضاه


د. يسري جبر









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال