من تكرار مراقي السعود __ الحلقة التاسعة بعد الستين _
لقد لاحظ صاحب القواعد الأصولية عند القاضي عبد الوهاب من خلال الإشراف أن القاضي عبد الوهاب عبر عن هذه القاعدة تارة ب"الأمر المطلق على الفور " الإشراف م، س، ط: دار ابن حزم م: 1، ص:124. والقواعد الأصولية عند القاضي عبد الوهاب من خلال الإشراف م، س، ص: 167.
وتارة يعبر عنها ب"الأوامر المطلقة تقتضي الفور لإشراف م، س ط دار ابن حزم، م: 1، ص:461.
وتارة يعبر عنها غير مقيدة ب"مطلق "فيقول:"الأمر على الفور " المصدر نفسه م: 1، ص:460. والقواعد الأصولية من خلال الإشراف ص: 167.
وحين ذكر صاحب القواعد الأصولية عند القاضي عبد الوهاب البغدادي من خلال الإشراف هذه الجمل علق عليها بقوله:"وهذه الصيغ الثلاث كلها تدل على معنى واحد، وهو أن القاضي عبد الوهاب يحمل الأمر المطلق على الفور . " القواعد الأصولية عند القاضي عبد الوهاب البغدادي من خلال الإشراف م، س، ص: 168.
والملحوظ أن هناك صيغة رابعة مشعرة بالخلاف، لم يذكرها صاحب "القواعد الأصولية من خلال الإشراف" مع أنها وردت في الإشراف ط دار ابن حزم م:1، ص: 460 .بلفظ " الأوامر المطلقة هل هي على الفور أو التراخي ." ولقد تناول الإمام المازري هذا العنوان بالتحليل مختارا له عن قولهم الأمر هل يدل على الفور أو التراخي؟ وقد انتقد قولهم آخر هذا العنوان "أو التراخي" قائلا إن ذلك يقتضي أن هناك مذهبا يرى أن المبادرة إلى المأمور به لا تجوز. وأن الأمر لا يجوز تقديمه؟ وهذا ما لم يقل به أحد بل مراد القائلين بعدم اقتضائه الفور جواز تاخيره .
وسأتكلم في هذا المبحث على مطلبين:
في البدء لابد من معرفة المصطلحات الاساسية في هذه القاعدة وهي الفور والتراخي:
تعريف الفور:
الفور: وهو كما قال الرهوني: " وجوب المبادرة؛لأنه من ضرورات استغراق أوقاتنا" . تحفة المسؤول، ج 3، ص 33.
وقد عرفه العلامة الطاهر بن عاشور:"المبادرة لفعل الماموربه عند بلوغ الأمر، أوعند حصول ماعلق عليه بقدر الاستطاعة ." حاشية التوضيح والتصحيح ج:1ص:150.
وقد عرفه العلامة عبد الله بن بيه بقوله "الفور:"أن تفعل الأمر قبل أن يمضي وقت يمكن فيه فعله. " أمالي الدلالات م، س، ص:207.
والملحوظ أن هذين العالمين المغربيين ابن عاشور، وابن بيه كلاهما أخذ في تعريفه بقاعدة تقدم الكلام عليها هي:الأخذ بالأوائل أوالأواخر، فعلى الأوائل ركز الأول، وعلى الأواخر ركز الأخير.
التراخي: عرفه الطاهر بن عاشور بأنه:"عدم الفور حاشية التوضيح والتصحيح ، وعرفه الشيخ عبد الله ابن بيه بأنه: "تاخير فعل المامور به بعد انقضاء زمن يمكن أن يفعل فيه فصاعدا " . أمالي الدلالات م، س، ص:207
المطلب الثاني: حجية هذه القاعدة
على غرار خلافهم في صيغة الأمر هل تقتضي الوجوب أم لا؟ اختلف المالكية أيضا فيها هل تدل على الفور أو التراخي؟ ويرى ابن القصار أن هذه المسألة لم يرد عن مالك فيها نص." المقدمة ص:132
.وربما يكون ذلك من اسباب اختلاف المالكية فيها إلى مذهبين اثنين:
المذهب الأول: أنه يحمل على الفور، وقد نسبه القرافي إلى الإمام مالك حين قال عن الأمر ومالك "وهو عنده للفور شرح التنقيح مع حاشية التوضيح والتصحيح م، س، ج:1، ص: 150. "قلت ولعل سيدي عبد الله أشار لكلام القرافي هذا بقوله عن الأمر:"وكونه للفور أصل المذهب..."وقد وافقت هذه العبارة عبارة علامة جاء بعد سيدي عبد الله هو العلامة الطاهربن عاشور الذي وصف القول القائل بدلالة الامر على الفور بأنه:" الأوفق بأصول مالك ." حاشية التوضيح والتصحيح ج:1ص: 151.
ووصفه الرهوني بأنه "هو المروي عن مالك . تحفة المسؤول، ج 3، ص 33
ووصفه العلامة الطاهربن عاشور بأنه:" الأوفق بأصول مالك ." حاشية التوضيح والتصحيح ج:1ص: 151.
وأخذ من قول مالك بتعجيل الحج، ولذلك يقول ابن القصار عن الفور:" إن مذهب مالك يدل عليه؛ لأن الحج عنده على الفور، ولم يكن ذلك كذلك، إلا لأن الأمر اقتضاه" . حاشية التوضيح والتصحيح ج:1ص: 151.
وقد حكى المازري عن بعض العلماء إشارته:"إلى استنباط هذا من قول مالك: "إن تفرقة الوضوء عمدا لا تجوز ويوجب استئناف الطهارة"، وما ذاك عنده إلا بحمل الأمر على الفور." إيضاح المحصول م س ص:211
ويؤيده قول ابن القاسم في الموزاية في الذي يريد الحج:"له مخالفة أبويه في الفريضة."
"وقول أشهب في الحج أيضا: ليس للزوج منع زوجته منه . " الذخيرة ، ج:3، ص: 180- 181.بتصرف يسير.
وقد حكاه المازري عن بعض أصحاب مالك البغداديين . إيضاح المحصول م س ص:211
ولعل المازري إنما فهم كونه قول بعض البغداديين من قول القاضي عبد الوهاب في الملخص عن الأمر: "الذي ينصره أصحابنا إنه على الفور " . شرح التنقيح مع حاشية التوضيح والتصحيح م، س، ج:1، ص: 150.
المذهب الثاني: أن الأمر المطلق يحمل على التراخي، أي عدم الفور ويمكن أن ينتزع هذا القول من ما ذهب إليه مالك ــ رحمه الله ــ من أن المرأة يلزمها استئذان زوجها في الحج عاما بعد عام . إيضاح المحصول م، س، ص:211.وقد حكى ابن خويزمنداد هذا القول عن المغاربة من المالكية حين قال عنه " إنه مذهب المغاربة من أصحابنا" .- المنتقي للباجي الطبعة الأولى 1331هجرية ط دار الكتاب العربي بيروت لبنان ج:2ص:268
وهذا القول هو الظاهر " من قول مالك في تأخير الحج بمنع الوالدين . " الذخيرة ج:3، ص: 180 .
ومن "قول ابن القاسم في منع الزوج الزوجة من الحج ." المصدر نفسه والمكان .
مناقشة هذا المأخذ:
يناقش هذا المأخذ بقول أبي الطاهر إنه:" يمكن أن يكون أمر الآباء وغيرهم من باب تعارض الواجبين ." المصدر نفسه والمكان .
ويوخذ من قول ابن محرز وغيره من المتأخرين في الحج: إن مسائل المذهب تدل على أنه على التراخي ." المصدر نفسه والمكان .
وفي المنتقى ما يفيد أنه هو الاظهر عند الباجي .
وإن كان المازري لم يحك ذلك إلا عن بعض المتأخرين من المالكية المغاربة ، إيضاح المحصول م س ص:211 وذلك ما نظمه سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم في المراقي فقال:
" وقال بالتاخير أهل المغرب وفي التبادر حصول الأرب."
هكذا كنت كتبت في بحثي المطبوع الاختلافات الاصولية النقلية وأثرها في الفروع عند المالكية
وقد تبين لي الآن انه اظهر منه في معنى بيت سيدي عبد الله هذا ما تقدم عن ابن خويزمنداد من قوله كما نقله عنه الباجي في المنتقى عن المذهب بحمل الامر على التراخي إنه(مذهب المغاربة من اصحابنا... ) والله تعالى أعلم
اضطراب رأي ابن العربي في هذه القاعدة:
لقد لاحظ صاحب "المباحث الأصولية عند الإمام أبي بكر بن العربي، ت: 543 هــ. من خلال كتابه "أحكام القرآن" " ج: الأول والثاني جمع وتوثيق ودراسة إنجاز الطالب: محمد أزضوض الموسم الجامعي 1430 1431ه .2009 2010 م، ص: 11. اختلافا في مذهب ابن العربي حول هذه المسألة قائلا:
" وبالرجوع إلى موقف ابن العربي في مسألة مقتضى الأمر نجده يضطرب في رأيه، ولا يستقر على قول من الأقوال، فهو يقول في كتاب "المحصول" الذي أعتقده إن التاخير جائز، وإن المبادرة حزم؛ لأن الأمر ورد مطلقا بإلزام الامتثال ."
ويعلق في أحكامه أيضا على رأي من حمل صيغة الأمر على اقتضاء الفور بقوله:
"ويضعف عندي. واضطربت الروايات عن مالك في مطلقات ذلك. والصحيح عندي من مذهبه أنه لا يحكم فيه بفور ولا تراخ كما تراه، وهو الحق، وقد بيناه في أصول الفقه ." أحكام القرآن تحقيق رضى فرج الهمامي الطبعة الأولى: 1424ه . - 2003 م. المكتبة العصرية، صيدا، بيروت. القسم:1، ص: 311.
" بينما نراه يقرر في أحكامه في موضع آخر
" أن مطلق الأمر عندنا ـــ لعله يعني المالكية ــــ محمول على الفور ." المصدر نفسه القسم:1، 210.
وصفوة القول إن ما تقدم في هذه العجالة من بيان (اصل المذهب) في بيت سيدي عبد الله(وكون للفور اصل المذهب) بالبحث عن مدركه من كتب اصول الفقه وجلبه وتكرر الامر نفسه مع معنى قوله (وقال بالتاخير أهل المغرب)
وكذلك لحظ سبب اختلاف اهل مذهب إمامنا مالك في الامر وكونه يحمل على الفور او التراخي وأنه كون هذه المسألة لم يرد فيها نص عن إمامنا مالك كما تم نقله عن ابن القصار
وكذلك جلب اضطراب راي ابن العربي المالكي في هذه القاعدة والاختلاف فيها
والاضافة في إيراد فروع الامام مالك واصحابه الجارية على القولين السابقين في الامر وهل هو للفور او التراخي
وكل ذلك وغيره مما لم اره فيما بين يدي من شروح المراقي وليس كثيرا وجله مقتطف من كتابي الاختلافات الاصولية النقلية واثرها في الفروع عند المالكيه
والله تعالى اعلم
الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر

تعليقات
إرسال تعليق