من تكرار مراقي السعود __ الحلقة السبعون __

 




على قول العلامة سيدي عبد الله
(وهل لمرة أو اطلاق جلا"
أو التكرر اختلاف من خلا..."
لم يرد عن مالك ـ رحمه الله ـ نص في هذه القاعدةـ كما يقول ابن القصار- المقدمة، م، س، ص: 136. وفروعه مضطربة لذلك لحظ الإمام الطاهربن عاشور تردد النقل عن مالك في هذه المسألة. التوضيح والتصحيح، ج:1، ص:53. وقبله تردد ابن خويزمنداد في استقراء رأي مالك في هذه القاعدة من خلال الفروع المروية عنه ــ كما نسب إليه ذلك المازري، ولعل عدم وجود نص عن مالك في ذلك كان هو السبب في اختلاف المالكية في هذه القاعدة.
المذهب الأول: أن الأمر يقتضي التكرار وفيه يقول ابن القصارفي كتابه "المقدمة:"ليس عن مالك ـــ رحمه الله ـــ فيه نص، ولكن مذهبه عندي يدل على تكراره، إلا أن يقوم دليل . المقدمة، م، س، ص: 136.
وقد بين الرهوني أن ابن القصار استقرأ ذلك من كلام مالك - رحمه الله - وأن ذلك "دل على أنها عنده للتكرار المستوعب لزمان العمر مع الإمكان . حفة المسؤول، م، س، ج: 3، ص: 26.
ومن فروع مالك الجارية على هذا القول: ماجاء في المدونة:
من قول ابن القاسم لما سئل عن التوقيت في الوضوء: " لم يكن مالك يوقت في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثا. وقال: إنما قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين }فلم يوقت تبارك وتعالى واحدة من ثلاث. قال ابن القاسم: ما رأيت عند مالك في الغسل والوضوء توقيتا لا واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثا"" المدونة الكبرى، ط: دار الحديث ج:1،ص:17. وقد اختصر المازري هذا الكلام وعلق عليه بقوله عن ابن القاسم إنه: "استدل على نفي التكرار بمجرد قوله: "وجوهكم"، فلولا أن مذهبه حمل الأمر المطلق على مرة واحدة لم يحسن الاستدلال بهذه الآية، على أن الواجب في الوضوء غسلة واحدة مستوعبة للعضو. "إيضاح المحصول، م، س، ص: 205. وبالرجوع إلى المدونة يتبين أن ابن القاسم حكى هذا الفرع عن إمامنا مالك. والعجب من المحقق حيث لم ينتبه إلى هذ الاختلاف، ولا أن آية يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة:6] وردت مكملة في المدونة . والله تعالى أعلم .
وقد انتزعه ابن خويزمنداد من قول مالك بطلب التيمم لكل صلاة .
وقد علق الطاهر بن عاشور على هذا بقوله: "لا حجة فيه لأنهم عللوه باحتمال وجدان الماء، فتجب إعادة الطلب، وما تكون عبادة مشكوكة البقاء، وقد روي عن مالك في المريض الذي لا يستطيع استعمال الماء، والمتذكر لصلوات كثيرة: أنهما يصليان بتيمم واحد صلواتهما. فإن قلت إذا كان الصحيح أن الأمر لطلب الماهية والمرة المبهمة، فهو مطلق، وهو عند عدم القرينة يحمل على أكمل أفراده كما سياتي فلنحمله على التكرار؛ لأن حالة التكرار أكمل حالات فرده. قلت ليس تكرار الفرد الواحد من الحمل على أكمل الافراد ." حاشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج: 1، ص: 153.
وقد حكاه الباجي في إحكامه هذا القول عن أبي الحسن ابن القصار
لكن الذي صرح به ابن القصار في كتابه المقدمة يدل على خلاف ما نقله عنه الإمام الباجي إذ قال: وعندي أن الصحيح "، هو أن الأمر إذا اطلق يقتضي فعل مرة، وتكراره يحتاج إلى دليل . المقدمة بتحقيق محمد بن الحسين السليماني، م، س، ص: 138 - 139.
ويبين ابن القصار ذلك عند تفسير قوله تعالى:"فاقرؤوا ما تيسر منه "حيث قال - رحمه الله - "لفظ:"اقرؤوا "لفظ أمر يقتضي قراءة مرة واحدة، وهذا قد قرأ قبل هذا، فلا يتكرر عليه إلا بدليل ."راجع عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار للقاضي أبي الحسن علي بن عمر بن القصار البغدادي المالكي، دراسة وتحقيق:أحمد بن عبد السلام مغراوي: رسالة دكتوراه بجنامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش شعبة الدراسات الإسلامية، وحدة البحث والتكوين، بنية الاجتهاد ومناهج الاستدلال والاستنباط وضوابط الواقع في المدرسة المالكية، السنة:1432 - 1433ه-. 2011 - 2012م. ج:2، ص:228. وكذلك قال ابن القصار في محل آخر عند قوله تعالى:" فَاغْسِلُوا" أمر يقتضي فعل مرة واحدة إلا أن يقوم دليل التكرار ." راجع عيون الأدلة م، س، ج:2، ص:328. وتحقيق المقدمة، م، س، ص: 139.
اضطراب النقل عن رأي ابن خويزمنداد في هذه القاعدة:
لقد اضطرب النقل عن ابن خويزمنداد، فقد حكى المازري عنه حمل الأمر على التكرار قائلا عن ابن خويزمنداد إنه:" اختار لنفسه مما تردد فيه عن مالك حمل الأمر على التكرار. " - إيضاح المحصول م، س، ص:206.بينما نرى ابن العربي ينقل عنه حمله الأمر على المرة الواحدة. وقد غاب هذا الاضطراب في النقل عن صاحب: "ابن خويزمنداد؛ إذ لم يحك عنه غير حمل الأمر على التكرار، مستدلا بلازم هذا القول على حمل ابن خويزمنداد الأمر أيضا على الفور وقائلا: " ويلزم من قول أبي عبد الله محمد بن خويزمنداد أن الأمر للتكرار، يلزم منه أن الأمر على الفور ، أحكام القرآن تحقيق رضى فرج الهمامي الطبعة الأولى: 1424ه . - 2003 م . المكتبة العصرية، صيدا، بيروت. القسم:1، ص: 311. - 206.
ثم يقول صاحب ابن خويز منداد أيضا مستثنيا من هذا الاستنتاج "..إلا أن ما ورد عن ابن خويزمنداد ليس منضبطا مع هذه القاعدة فقد ذهب إلى أن الحج يجب على التراخي وليس على الفور. " - 206. خويزمنداد، م، س، ص: 173.والملحوظ أن ابن خويز منداد قد يكون اعتمد في القول بأن الحج على التراخي على قاعدة أخرى، وهي تعلق الوجوب بآخر الوقت أو بوقت الأداء إذ الأصح أن الخلاف في كون الحج على الفور أو التراخي يجرى على الخلاف في كون وقته آخر الوقت، أوأن جميع الوقت وقت له، "فمن شبه أول وقت من اوقات الحج الطارئة على المكلف المستطيع بأول الوقت من الصلاة قال: هو على التراخي، ومن شبهه بآخر الوقت من الصلاة قال: هو على الفور، ووجه شبهه بآخر الوقت أنه ينقضي بدخول وقت لايجوز فيه فعله، كما ينقضي وقت الصلاة بدخول وقت ليس يكون فيه المصلي مؤديا، ويحتج هؤلاء بالغرر الذي يلحق المكلف بتاخيره إلى عام آخر بما يغلب على الظن من إمكان وقوع الموت في مدة من عام، ويرون أنه بخلاف تاخير الصلاة من اول الوقت إلى آخره، لأن الغالب ألا يموت أحد في مقدار ذلك الزمان إلا نادرا، وربما قالوا إن التاخير في الصلاة يكون مع مصاحبة الوقت الذي يؤدي فيه الصلاة، والتاخير ههنا يكون مع دخول وقت لا تصح فيه العبادة، فهو يشبهه في هذا الأمر المطلق، وذلك أن الأمر المطلق عند من يقول إنه على التراخي ليس يؤدي التراخي فيه إلى دخول وقت لا يصح فيه وقوع المامور فيه كما يؤدي التراخي، في الحج إذا دخل وقته فأخره المكلف إلى قابل، فليس الاختلاف في هذه المسألة من باب اختلافهم في مطلق الأمر هل هو على الفور، أوعلى التراخي كما قد يظن. " بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحفيد، ط: دار الفكر، دون تحديد تاريخ ومكان الطبع، ج: 1، ص: 235.
وإن كانت مسألة الواجب الموسع هي الأخرى راجعة إلى الخلاف في الأمر هل هو على الفور أو التراخي؟ كما أوضحه ابن العربي، راجع المحصول في، ص: 60 . وقد تقدم معنا في الكلام على الفرض الموسع .
المذهب الثاني: أن الأمر يقتضي فعل المـأمور به مرة واحدة.
وقد حكاه المازري عن مالك قائلا: "وقد أضاف هذه المقالة في هذا الأصل بعض أصحابنا لمالك ــــ رضي الله عنه ــــ لما احتج في الاقتصار على مرة واحدة بهذه الآية شرح التلقين، م، س، ج: 1، ص: 168. "يعني قوله تعالى: "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق. }""
والقرافي عن أصحاب مالك . راجع التنقيح مع حاشية التوضيح والتصحيح، م، س، ج: 1، ص: 152.
وممن قال به ابن القصار فقد نص عليه في المقدمة، وفي عيون الأدلة أيضا- كما تقدم.
وممن نصر هذا القول القاضي عبد الوهاب . إيضاح المحصول، م، س، 205. وممن أيده ابن العربي حين قال في أحكام القرآن "عن الأمر
"والمختار أنه يقتضي فعله مرة واحدة
وقد انتزع هذا المذهب من قول مالك إن هناك فرصة واحدة للمرأة تتخذ فيها قرارها في حال تمليكها أمرها من قبل الزوج . إيضاح المحصول، م، س، 205.
وقد حكى القاضي عبد الوهاب هذا القول عن البغداديين من اصحاب مالك حين قال عنه: "ومذهب أصحابنا أنه للمرة الواحدة " شرح التنقيح، م، س، ج: 1، ص: 154.ولعل سيدي عبد الله أشار لهذين القولين وغيرهما بقوله
وهل لمرة او اطلاق جلا
او التكرر اختلاف من خلا
المذهب الثالث: القول بالوقف واختاره الباقلاني حين قال
"والواجب عندنا في هذا أنه متى أطلق الامر، وعري مما يدل على الدوام من عقيب الامر إلى ما بعده، فإنه يصلح أن يريد به فعله مرة واحدة، ويصلح أن يريد به ما زاد عليها من الأقدار المحدودة ."
ثم قال: "فإن لم نقل بالوقف والاحتمال في ذلك، فأقوى المذهبين الذين قدمنا ذكرهما القول بأنه مقتضى لفعله مرة واحدة إلا أن يدل الدليل على وجوب التكرار ." التقريب والارشاد، ج: 2، ص 119 /117 .
و صفوة القول إن نقل عدم ورود نص عن إمامنا مالك واختلاف ما نص عليه ابن القصار في المقدمة وعيون الادله مع ما نقله عنه الباجي وإضافة القول بالتوقف الذي قال به الباقلاني كما في التقريب وكذلك حلب كلام البغداديين وقولهم بأن الامر للمرة الواحدة
واختيار القاضي عبد الوهاب وابن العربي ان الامر للمرة الواحدة
اضطراب النقل عن ابن خويزمنداد في اقواله في هذه القاعدة
وتعقب مؤلف رسالة ابن خويزمنداد في اخذه وشرحه للازم قول ابن خويزمنداد إن الحج يجب على التراخي.
جلب مثال مهم لهذه القاعدة مما لم اره فيما بين يدي من شروح المراقي وليس كثيرا وهو مقتطف من كتابي الاختلافات الاصولية النقليه وأثرها في الفروع عند المالكيه
والله تعالى أعلم


الدكتور عبد الرحمن بن حمدي ابن ابن عمر




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلات الباركيين بغيرهم من تاشمش / الدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

ارتباط اسمي الجد ابن عمر بن محمود والخال محمد الامين بن أحمد خرشي بتجديد رسم كنابين جليلين من كتب الشمائل والسير

مقابر الشمال